إن الإسلام يطارد الحرام أنى وجد، ويترقب المنكر حيثما كان ليقضي عليه، فلمس المرأة باليد يفتح ذريعة الفساد ويحرك كوامن النفس ويفتح أبواب الفساد ويسهل مهمة الشيطان.
ولذلك توعد الرسول ﷺ من يفعل ذلك بعقوبة شديدة، فعن معقل بن يسار (رضي الله عنه) أن رسول الله ﷺ وسلم قال: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له).
وإذا كان هذا في مجرد المس فقال: (أن يمس) حتى لو كان بغير شهوة فما بالك بما فوق هذا النوع من المس؟!
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا يدرك ذلك لا محالة، العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه)،
فالمقصود بالحديث أن من الناس من يكون إتيانه لهذا الأمر المحرم إتياناً حقيقياً بفعل الفاحشة الكبرى، ومنها ما يكون -كما قال الإمام النووي- مجازياً دون ذلك، لكن أطلق عليه هذا اللفظ تنفيراً منه.
الشاهد في الحديث هو قول النبي ﷺ: (واليد زناها البطش)، والبطش هو المس باليد، بأن يمس امرأة أجنبية بيده.
أما من تساهل في مصافحة النساء واحتج بطهارة قلبه ونيته السليمة، فإن الإسلام لم يكل الناس إلى نواياهم الحسنة ولا إلى ضمائرهم، وإنما شرع من الإجراءات الصارمة ما يحسم باب الفتنة حتى لا يصير الأمر محتملاً،
فلذلك لا تقبل دعوى من ادعى أن قلبه سليم وطاهر وأنه لا يتأثر بذلك، فمن فعل مثل هذا فإنه ينادي على نفسه بنقص الرجولة، وهو كذاب في دعواه طهارة قلبه وسلامة نيته.
وأقوى دليل على كذبه في هذه الدعوى أن أطهر ولد آدم ﷺ وأخوفهم لله وأرعاهم لحدود الله يقول وهو المعصوم ﷺ: (لا أمس أيدي النساء) ويقول (إني لا أصافح النساء)، ويمتنع من ذلك حتى في وقت البيعة الذي يقتضي عادة المصافحة.
فكيف يباح لغيره من الرجال مصافحة النساء، مع أن الشهوة فيهم غالبة، والفتنة غير مأمونة، والشيطان يجري منهم مجرى الدم، كيف وقد قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} ؟!
وعن عائشة (رضي الله تعالى عنها) قالت: (وما مست يد رسول الله ﷺ يد امرأة إلا امرأة يملكها) أي: يملك نكاحها.
فلا ينبغي الالتفات بعد ذلك إلى بعض الناس الذين يتساهلون في هذا الباب انصياعاً أمام الضغوط الاجتماعية الواقعة من الناس، بزعم أنهم يستحيون من إحراج من تمد يدها للمصافحة، غافلين عن أن هذا ليس حياء؛ لأن الحياء الذي يحبه الله هو الحياء الشرعي الذي يمنع من الحرام،
فالحياء الشرعي في هذا الموضع هو حياؤك من الله، أن تستحي من الله أن تمد يدك إلى امرأة أجنبية فتصافحها، أما إذا دفعك حياؤك من الناس أو من هذه المرأة إلى أن تمد يدك وتصافحها فإنك استحييت من الخلق وضيعت الحياء منه تبارك وتعالى، فهذا يسمى عجزاً وتهاون وخذلان وليس حياءً.
يقول الإمام القرطبي (رحمه الله تعالى): “وقد كان المصطفى ﷺ يأخذ نفسه بالحياء ويأمر به ويحث عليه، ومع ذلك فلا يمنعه الحياء من حق يقوله، أو أمر ديني يفعله، تمسكاً بقوله سبحانه وتعالى: {وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} فهذا هو نهاية الحياء”.