بين ليل المتقين وليل المفرطين

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦)  كَانُوا قَلِيلا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (١٧)}.

تأمل معي سبب وصول ذلك الفريق إلى جنات النعيم: {كَانُوا قَلِيلا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}. قال ابن عباس: (لم تكن تمضي عليهم ليلة إلا ويأخذون منها ولو شيئا)، وقال مجاهد: (قلَّ ما يرقدون ليلة حتى الصباح لا يتهجدون)، وقال أبو جعفر الباقر: (كانوا لا ينامون حتى يصلوا العتمة).

عندما ننظر لحالنا الآن؛ نجد هذه الآية ولكن في غير أهدافها؛ فالآن لا ينامون من الليل إلا قليلاً؛ ولكن في ماذا هذا السهر المجهول؟

تمضي الليل في عِصيانٍ والموت يأتي غفلة يا مسكين، تتقلب في ليلك بين مسلسلات وأفلام وحديث لا يرضي الله، فلمَ لا تبادر بسجدة لله؟ سجدة علها تكون باب خير لك، سجدة واحدة، دعاء، أو استغفار، ولا تدع ليلك يذهب سدى.

واحسرتاه، تصرم العمر ونحن لم نتذوق مقام هذه الآية، أصحاب هذه الآية يقضون ليلهم في سهرٍ مع الله، بينهم أسرار، يبنون في الليل أفكار، يأنسون بالله، يقضون ليلهم بين ذكر وتضرع وابتهال وتذلل، ركعات وسجدات ودمعات صادقة تغسل بها قلوبهم.

قال سبحانه: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ}. وصفت الآية تنوع العبادة بين قائم وساجد، وبداخله يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه.

انظر حولك، الآن الواحد منا يذهب ليله في التصفح ومواقع التواصل الاجتماعي، ويبخل على نفسه بركعات في آخر ليله يبني بها آخرته! في سهرك الطويل، استرق بعضاً من لهوك لله، أقم فيها ليلك، سلِ الله ما أردت، لا تدع ليلك يُقضى بدون طاعة وعبادة، سهرك هذا فيما لا يرضي الله يترتب عليه إضاعة لصلاة الفجر وهذا شيء لا يجوز.

عن قتيبة بن سعيد وبشرُ بن معاذ، “أن النبي ﷺ صلى حتى انتفخت قدماه، فقيل له: أتتكلف هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك؟! قال: أفلا أكون عبدا شكورا”. فلماذا لا تكن أنت عبداً شكوراً؟ اغتنم من دنياك وكن عبداً شكوراً. 

تأمل معي حالتان: الأول قضى ليله قائماً بين يدي الله ساجداً يتضرع ويتذلل وينوع في عباداته بين صلاة واستغفار، والثاني قضى ليله متكئاً على سرير أمام التلفاز وبيده هاتفه يعصي به. الأول معروفٌ في السماء يُمدح، يخرج من بيته نورٌ يضيئ السماء، والثاني تلعنه الملائكة ويبغضه الله. فسيان بين ذاك وذاك.

ولتعلموا يرحمكم الله، أن الوقوف بين يدي الله شرف عظيم، ونور يضيئ الوجوه والقلوب، وهذا النور هو نور الله، ونور الله لا يهدى لعاصي.

فاللهم يارب الليل البهيم، يا حي يا قيوم، اجعلنا ممن تتجافى جنوبهم عن المضاجع ندعوك خوفاً وطمعاً، {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}.

أعِدوا لأخراكم، جهزوا أنفسكم للحساب والوقوف بين يدي الله، راقب وقتك فيما يذهب، وعمرك فيمى يفنى، فالعمر قصير والموت يأتي بغتة ولذة المعصية لذة ساعة وألمها طويل.

ولو وافيت ربكَ دون ذنبٍ

وناقشك الحِسابَ إذا هَلِكتا

ولم يظلمك في عملٍ ولكن

عسيرٌ أن تقوم بما حملتا

ولو قد جئتَ يومَ الفَصْلِ فرداً

وأبصرت المنازلَ فيه شتى

لأعظمتَ الندامةَ فيه لهفاً

على ما في حياتك قد أضعتا

تفرُّ من الـهجيرِ وتتقيه  

فهلّا عن جهنم قد فررتا؟

ولست تطيق أهونها عذاباً  

ولـو كنت الحديد بها لذُبتا

فلا  تكذب فإن الأمر جِدُّ 

وليس كما احتسبتَ ولا ظننتا

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة