لا شك أن صورة الدمار في غزة موجعة لقلوب ملايين من أمة الإسلام، بيوت مهدمة، وعمارات سويت بالأرض، ولا مظاهر توحي بالحياة، والكل ينظر بحسرة، غزة التي كانت وكانت فقد صارت اليوم ركاماً.
المسلمون مدركون جيداً أن الأعداء قد تكالبوا على قطعة صغيرة من أرض الإسلام، فشنوا حرباً ضروساً عليها لم تبق ولم تذر. نعم، الكل يدرك والكل متحسر؛ لكن السواد الأعظم غافل عن حرب شنت على أمة الإسلام كلها منذ سنين طويلة، ونتائجها اليوم أكثر فتكاً ودماراً من دمار غزة.
حروب شنت على غزة فدمرت بنيتها التحتية، وحروب شنت وما زالت على أمة الإسلام؛ فدمرت بنيتها الفكرية والعقدية، أو أنها نالت الكثير من مآربها في ذلك. الحرب واحدة والوسائل تختلف، فهناك في غزة قنابل مدفعية وصاروخية، وعلى الأمة كلها قنابل إعلامية.
الحرب في غزة محدودة بزمان ومكان، وميدان الحرب غزة نفسها؛ أمّا الحرب الإعلامية على الإسلام والمسلمين لا حدود لها، كالنار في الهشيم تلتهم كل شيء، وميادينها شتى وعلى كل المستويات.
وها هو رمضان المبارك قد هل وطل، وقد حلت معه رؤوس الشر والدمار من كل جانب، تحشد عدتها وعتادها من مسلسلات تافهة، وأفلام هابطة، وبرامج وفوازير، والهدف واحد؛ مزيد من التلهية والتغفيل للمسلمين، وتشويه للدين وأهله، وتفريغ لشهر الله من روحانيته ورسالته الربانية التي شُرع من أجلها، والنتيجة انحدار أكثر لأمة الإسلام في قاع الهاوية.
فمتى يفيق المسلمون ويقاطعوا هذا الإعلام الهابط، وينشغلوا بشهرهم الذي حباهم الله به دون غيرهم؟
وأيم الله لو علم المسلمون مقدار الحقد والحسد في قلوب الأعداء بسبب تخصيص الله لهم بشهر رمضان وما فيه من كنوز وأنوار ربانية فحاربوهم لأجل ذلك؛ لما انصاعوا وانجرفوا مع إعلامهم، ولوقفوا سداً منيعاً في وجهه يردون كيده عنهم وعن أبنائهم.
-أم جليل مهني
يقول الشيخ علي الطنطاوي: (كان رمضان شهر القرآن فأرادوا أن يجعلوه شهر الفوازير والمسابقات، فصار الناس يسهرون على اللهو وينشغلون عن الصلاة والقيام. فمتى نعود إلى حقيقة هذا الشهر الكريم)؟
ويقول المفكر مالك بن نبي: (الاستعمار الجديد لا يحتاج إلى جيوش، بل يكفيه أن يغرق العقول في التفاهات، وأن يسرق من رمضان روحانيته فيصبح شهرا للهو بدلا من أن يكون شهرا للنهوض الروحي والفكري).
ويقول مفكر آخر: (الإعلام اليوم هو أقوى أدوات التوجيه، وإذا أرادوا إبعاد الناس عن حقيقة رمضان فلا يحتاجون إلى محاربته صراحة، بل يكفي أن يملأوه بملاهي تشغل القلوب عن مقاصده).
فانفروا يا أبناء أمتنا كقلب رجل واحد وامرأة واحدة، وكونوا طوفاناً في وجه هذه الحرب الإعلامية الشعواء، لا تفجع الأمة بكم ومن طرفكم.
وإن أتى رمضان واصطفيت له فاخلع ثياب الهوى وقم على قدم هذا زمانك مقبل ومبتسم بكل خير تلقه بمبتسم وصنه عن كل ما يرديه من حرم ولتعكس النفس عكس الخيل باللجم