فلسفة الجمال في الإسلام

إن مفهوم الجمال في الإسلام هو تكامل الروح والظاهر في ضوء الشريعة الإسلاميّة. أي بمعنى أوضح: أن تكون جميلًا قلبًا وقالبًا، خَلقًا وخُلقًا. وقالبًا هُنا بمعنى: أفعالًا، لا شكلًا؛ فالشكل ليس هو المعيار الأساسي لتحديد مواطن الجمال في الإسلام.

والجمال، هبة إلهيّة، وهو نفحة من نفحات الخالق البديع الذي أودع الجمال في الكون والإنسان على حد سواء. وهو الدليل القاطع على عظيم قدرته وبديع صنعه، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿صُنعَ اللَّهِ الَّذي أَتقَنَ كُلَّ شَيءٍ…﴾. 

بيد أنّ نظرة الإسلام للجمال تبدأ من الداخل، من جمال الروح التي تتجلى فيها أزكى سمات الأخلاق والقيم الإسلامية والإنسانية الرفيعة. وقد قال النبي ﷺ في ذلك قولًا بليغًا يُرسّخ هذا المفهوم: “إِنَّ اللَّه لَا يَنظُرُ إِلى صُوَرِكُم وأَموَالِكُم ولكِن يَنظُرُ إِلى قُلُوبِكُم وأَعمالِكُمْ”، وفي رواية: “…لا يَنظُرُ إِلى أَجسامِكم…”، فالجمال الحقيقي يكمن في نور الإيمان، وفي خشية ﷲ وتقواه، وفي سمو الأخلاق وحسن العشرة والمُعاملة.

ومع هذا التأكيد على جمال الإنسان الباطن، لم يغفل الإسلام عن أهمية الاعتناء بالجمال الظاهر؛ لكن ضمن ضوابط الشرع الحنيف. فالنظافة طهارة وسُنة، وترتيب المظهر سمة حضارية، واستخدام الطيب عبير للإيمان. وقد ورد في الحديث الشريف: “إِنَّ اللَّه جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ”؛ أي: هو سبحانه جميل ويُحب أن يرى من عبده كل ما هو جميل من قول وفعل وعمل واهتمام.

لكن هذا الاهتمام بالمظهر يجب أن يسير وفق إطار الاعتدال والتوازن، بعيدًا عن الإسراف والمُبالغة والتكلّف في الزينة، والتبذير المنهي عنه شرعًا، كما قال سبحانه: ﴿وَلا تُسرِفوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفينَ﴾. بمعنى أنه على العبد أن يتجمّل، لكن بقدرٍ وحذر، فلا يُسرف أيُّما إسراف، ولا يُهمل أيُّما إهمال، ودون أن يغفل عن التخلُّق بكل ما هو جميل من الخُلق الحسن، كأن يكون بشوشًا؛ ليزداد بذلك مظهره بهاءً ورونقًا وجمالًا. وأيضًا، يوجّهنا إسلامنا إلى استخدام المواد الطبيعية والمُباحة في الزينة والعناية بالمظهر، فنبتعد بذلك عن كل ما قد يضرّنا، وعن كُل ما هو مشبوه أو مُحرّم.

كذلك؛ لا يغفل المسلم أن قيمة هذا الاهتمام بالجمال الظاهري تتجلى أكثر حين ترتبط بالنيّة الصالحة. فإذا قصدت المرأة بتزيُّنها إرضاء زوجها، أو الظهور بمظهرٍ لائقٍ أمام قريناتها دون فتنةٍ أو تكبّر، فإن هذا الفعل قد تؤجر عليه، وكذلك الرَجُل.

ولا يستغفِل أيضًا أن ديننا الحنيف قد حذّر من التشبّه بغير المُسلمين، مؤكدًا بذلك على ضرورة تباهي المُسلمين بهويتهم الإسلامية وتميُّزهم بها. وألا تتشبّه النساء بالرجال ولا الرجال بالنساء، لا في المظهر ولا في اللباس، فعن ابنِ عباسٍ -رضي اللَّه عنهُما- قال: (لَعَنَ رسُولُ اللَّه ﷺ المُخَنَّثين مِنَ الرِّجالِ، والمُتَرجِّلاتِ مِن النِّساءِ)، وفي روايةٍ أخرى: (لَعنَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ المُتَشبِّهين مِن الرِّجالِ بِالنساءِ، والمُتَشبِّهَات مِن النِّسَاءِ بِالرِّجالِ).

وفي عصرنا الحاضر، لكثرةِ ما قد رأينا من التشبّه -من كلا الجنسين- أصنافًا وأشكالًا، حتى صارو مسخًا هجينًا من الذكورة والأنوثة، شِبنا قبل أواننا! فلا نقولُ إلا: رَحِم ﷲ الرُجولة، ورَحِم ﷲ الأنوثة، وﷲ المُستعان على ما يتشبّهُ هؤلاء!

ختامًا، يجب علينا دائمًا استحضار فكرة أنّ الجمال الظاهري زائلٌ ومؤقت، بينما الجمال الداخلي الروحي هو الباقي الدائم، وهو الذي يجلب لنا السعادة الحقيقية ورضا الرحمن. وعلى ذلك، يتوجب علينا أن نُحِب ذواتنا كيفما كانت وكيفما تكون، وأن نتقبّل أشكالنا ونُحبّها كما خلقها ﷲ ورضي بها لنا، فنحنُ هكذا خُلقنا بسجيّتنا، جميلون بالفطرة، فلا نتشبّه بالآخرين لنبدو أكثر جمالًا، ولا نُغيّر خلقة ﷲ وأشكالنا لنُرضي أحدًا.

لنرضى بنا على حالنا، مع الاهتمام الإسلامي المشروع لنا، كأن نلجأ دومًا للمُباح من الطيب والتزيّن بقدر استطاعتنا ودون تكلّفٍ يفوق طاقتنا، فنرضى بجمال أنفسنا، فيرضى ﷲ عنّا، فإنّ الرضا عبادة نؤجر عليها، ولهي تمام الشكر للّه على نعمتهِ العظيمة المُتجليّة فينا.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة