زهرة فتاة في ربيعها الخامس عشر، تدوّن ما تواجهه من مواقف وحكايات، خواطر وتساؤلات، عبارات ومعلومات، لتشاركه معنا في يوميات زهرة.
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
مرحبًا مجددًا يا دفتر يومياتي العزيز، يا مساحتي الخاصة من هذا العالم الكبير. فيك تتسع سطور خواطري، أدوّن لحظاتي التي أرجع إليها من الحين للآخر؛ لأنظر إلى ما وفّقني الله إليه، وأراجع تقدُّمي إلى هدفي الأول والأخير.
فتحت مظلة هذا السؤال أخطو وأتقدم، هذا السؤال الذي يجعلني أفكر ليلًا ونهارًا، مرارًا وتكرارًا: هل تقدّمتُ خطوة إلى الفردوس اليوم؟
منذ متى وأنا على هذا الحال؟
في يوم من أيام المدرسة، كنت أقرأ كتابًا لكاتبتي المفضلة، يسمى “ايكادولي”، جالسةً في حوش المدرسة حيث تتعالى الأصوات والضحكات، أنظر للكتاب تارة، ويتشتت انتباهي لما تتحدث فيه صديقاتي تارة، إلى أن وجدت نفسي شيئًا فشيئًا أترك القراءة للتحدث معهنّ. كُنَّ يتحدَّثْنَ عن أهدافهنّ في الحياة، أذكر إحداهنّ تخبرنا أنّها تحضر حصص الموسيقى لتتعلم كيف تعزف على العود؛ فوجدت شيئًا ما بداخلي يتساءَل: (حصص موسيقى؟ عود؟ لماذا؟ لماذا تختار من كلّ الأهداف والطموحات هذا الهدف؟ هل تعلم بحرمانيته؟ هل خلقنا الله لنعزف الألحان ونغني؟ هل سنحرر الأقصى مثلًا بآلة العود؟)
-عادة أذكر الموقف ومعه تأملاتي، وتعليقاتي؛ فأنا فتاة تحب أن تحلل الواقع من حولها حتى لا تنجرف مع تيار الموج فتغرق، متَّكِلةٌ على ربي ومستعينة به لأنجو وأنال سعادة الدارين-.
ثم وجدت من يوجه لي السؤال، وكعادة الفتيات انبهرنَ ما قالته صديقتنا عن هدفها، وجدت نفسي أقول: أتعلمون حقيقة هذه الدنيا؟
علت وجوههنَّ التساؤلات، ولكنّي لم أبالي، فأكملت قائلة: لكل منا هدفه الخاص، لكنّ السؤال والمحرك الأساسي لهذا الهدف، هل يتوافق مع ما خلقنا الله من أجله، والذي بيّنه لنا في قوله {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}؟
فقاطعتني صديقتي قائلة، ولكننا لم نخلق فقط لكي نصلي ونصوم.
هنا سكت قليلًا، فهذه أول مرة أدعو إلى الله في المدرسة، كنت أفكر فيما سأقول، فوجدت الله سبحانه وتعالى يثبت فؤادي فأجبتها: نعم، صدقتِ أختي العزيزة مريم، لم نخلق فقط للصلاة والصوم، ولكن خلقنا لنضع الله سبحانه وتعالى نصب أعيننا في كل حركاتنا وسكناتنا. فمثلًا؛ إذا قلنا أن هدفي التدريس، هل هذا الهدف يتعارض مع الآية الكريمة: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}؟
فسكتوا مفكرين في السؤال؛ فهل فعلًا تتعارض كل طموحاتنا وأهدافنا في الحياة مع مفهوم العبادة الذي خلقنا الله سبحانه وتعالى من أجله؟
أكملت بوجهٍ طليق، تعلوه ابتسامة دافئة ومحبة: لا يتعارض التدريس مع مفهوم العبادة أبدًا، بل هي من العبادة، لكن بشرط أن تكون لله عز وجل.
فسألوني مستعجبين: وكيف تكون لله يا زهرة؟
أجبتهن: أن ننوي بهذا العمل نفع المسلمين، نفع عباد الله سبحانه وتعالى، والنية يا أصدقائي من أهم ما يضبط بوصلتنا وتوجهنا، ليكن لرضا الله سبحانه وتعالى فينضبط سيرنا، واختياراتنا، وطموحاتنا، وأهدافنا، حتى شغفنا، وكل ما نحب يمكن أن ننوي أنه لله، وابتغاءً لوجه الله سبحانه وتعالى.
وفجأة وجدت صديقتي تعانقني، وتردد: لم أكن أعرف يا زهرة، جزيتي خير الجزاء يا صديقتي، سأعدل هدفي ليكون هدفًا يرضي الله عز وجل، فالعزف ليس ما خلقنا من أجله، بل هو كسائر الملهيات المنتشرة اليوم تبعدنا عما خلقنا الله سبحانه وتعالى من أجله.
حقًا يا دفتر يومياتي تعلمت من هذا الموقف الكثير، وأهمهم ألّا أخجل من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنّ طريقة التواصل هي من أهم يُراعى في تواصلنا، وعليها يكون هناك مساحة تقبل ممن يتلقون ما تخبرهم به من نصائح أو دعوة إلى الله، وأنّه لا يتعارض الطموح والهدف مع العبادة، بل هو جزء منها؛ شرط أن يكون موجهًا لرضى الله سبحانه وتعالى، والنية هي المفتاح.
ومنذ ذلك اليوم سرت أردد داخلي:
“هل تقدمت خطوة إلى الفردوس اليوم”؟
والحمد لله حمدًا كثيرًا لما وفقني الله إليه.
أما عني؛ فأنا هدفي أن أكون صالحة مصلحة، وأدعو أنْ: اللهم اهدني، واهدِ بي، واجعلني سببًا لمن اهتدى يا رب العالمين.
_________________________________________
ماذا عنكنّ يا صديقاتي؟
ما الذي تُرِدنَ تحقيقه في الحياة، وهل هو متوافق مع مفهوم العبادة؟
أخبرنني في التعليقات على صفحاتنا في منصات التواصل الاجتماعي، ويمكنكنّ أيضًا التواصل معي على الرسائل إذا كان لديكنّ أيّ استفسار أو مشكلات.
يوميات زهرة
رفيقة الفتاة المسلمة المعاصرة.