من المستهجن في هذا الزمان وكل زمان، أن يكون الإنسان إمعة لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، يسير مع العام ويميل إلى الغالب، بدون وعي أو تفكير، يتشرب كل ما تقع عليه عينه؛ كالإسفنجة لا يفرق بين غث وثمين، وبين مقبول ودنيء.
وأكثر من يمكن أن يقع في تلك المستنقعات هم الأطفال والشباب الصغار؛ لذلك فإن من أشد واجبات هذا العصر، بعد تثبيت دعائم الدين في نفس أبنائنا إيماناً وتعظيماً وتسليماً، هو تعزيز الجانب النقدي وتمرين العقل على التفكير في كل ما يراه ويسمعه، في كل ما حوله، وبناء ذائقة سليمة؛ تتقبل الثمين وتلفظ الغث، تستقبح القبيح وتنفر منه وتبغضه، وتستسيغ وتتقبل ما يوافق الفطرة السليمة والعقل والدين.
ومن أهم وسائل بناء ذلك الجانب في طفلك، هو طرح الأسئلة عليه بشكل دائم في أي مشهد أو موقف يحتاج تعليق، مثلاً:
- ما رأيك في هذه الموضة؟ هل ترضي الله عز وجل؟ هل توافق الدين والحياء؟ هل من يتبعها تكون في ميزان سيئاته أو حسناته؟
- ما رأيك في الأمر الفلاني؟ ألا تلحظ به خطأ؟ وماذا لو كان بالشكل الفلاني؟ ما يحتاج في ظنك كي نصلحه؟
- ما رأيك في موضوع (كذا)؟ لما تظن أن ينتشر بين الناس بهذا الشكل؟ من تظنه المستفيد؟ وهل يجوز لي أن أتبعه كمسلم؟ ماذا تكون نظرتي تجاهه؟
- في ظنك لماذا يتم تسهيل وصولنا للأمر الفلاني؟ماذا أستفيد منه على مستوى ديني وثقافتي وشخصيتي؟ وماذا أخسر؟ هل المكسب أعظم أم الخسارة؟ هل ما غنمته كان أهم أن أغنمه، أم ما خسرته كان أهم ألا أخسره؟
- ما رأيك في فعل فلان؟ ماذا كنت ستفعل إن كنت مكانه؟ ماذا ستفعل إن رأيت الموقف الفلاني، ماذا سيكون رد فعلك؟ وماذا ستفعل إن وضعت في موقف كذا؟الفعل الفلاني الذي يفعله كل الناس لو فعلته، أيكون في ميزان حسناتي أم ميزان سيئاتي؟ هل سأسعد به يوم القيامة بإذن الله أم سأندم؟
وعلى هذا النسق، أسئلة تعزز الاستقلالية والوعي، وفي ذات الوقت تربط الطفل بالرقيب سبحانه وبالمآل وبالدين عموماً. أسئلة تعزز فيه الهوية والانتماء للأمة والاهتمام لأمرها وقضاياها، تعزز فيه ثقته بذاته، وتجعله يأنف التبعية والاتباع الأعمى؛ لألا يكون ألعوبة في يد أحد، أسئلة تحسن ذائقته فتدعم الفطرة وتقويها في نفسها، ويلفظ كل ما يخالفها ويحرفها.
في عمر طفلك الصغير، لن يستطيع الإجابة عن هذه الأسئلة وما يشابهها بمفرده، وهذا هو وقت التعليم؛ أن تعلمه كيف يفكر وكيف ينقد وبأي مقياس يتقبل الأمور والأحداث أو يرفضها، حتى إذا شب استطاع أن يحسن التفكير ويحسن اتخاذ المواقف ويحسن الاختيار والمفاضلة بإذن الله.
لا يليق بمسلم أبداً أن يكون تابع، بلا عقل ولا قيم ولا دين، لا يليق به أن يكون عبداً لأي شيء أو أي شخص أو أي ثقافة أو أيدولوجية. فاحرص ألا يكون ذاك التابع الإمعة هو ابنك. المسلم لا يكون إلا عبداً لله عز وجل، وذاك شرفه وعزه.
وبعد كل ذلك؛ عليك أن تدرك أن صلاح ابنك وإصلاحه واستقامته، هي محض فضل من الله عز وجل، فلا تغتر بعملك وتنسى اللجوء إلى الله عز وجل وسؤاله التوفيق والمعية، وأن تدعو دوماً لنفسك وصغارك وأنت موقن بالإجابة من الكريم الشكور سبحانه وتعالى.