ليس دعاءً عابرًا، وإن كان دعاء عابرًا؛ فأثره قابعٌ، ونابعٌ، ومن يدعو رابحٌ.
منذ فترة ليست بالهينة، بضع سنين، اعتدتُ قول: (يا ربِّي صبِّرني، الصبرُ من عندك يا ربِّي)؛ كردَّة فعلٍ تخرج مني، دون حولٍ مني أو قوةٍ، على كلِّ أمرٍ أو حديثٍ يزعجني، سواء أكان وسطَ الكلامِ، في السَّيرِ، في الوقوفِ، أو في القعودِ. حتى وإن لم يكن مزعجًا لمن حولي ولا يضايقهم، أو شيئًا لا يستدعي قول هذا من وجهة نظرهم.
مثلاً: وأنا أفعل شيئًا فيحدث خللٌ، أو بيني وبين نفسي عندما أتعذَّر في فهم معلومةٍ أو أجد صعوبةً في حلِّ مسألةٍ ما، وربما حتى في كلِّ شيء أجدني أردد: (أستغفر الله العظيم، يا رب يا رب صبِّرني).
وجدتُ رفضًا من أغلب من حولي لهذه الردود أثناء حديثنا، وربما وصل الأمر إلى الاستهزاء، وكأنهم يقولون: (ما الأمر الجلل الذي حدث، يا فتاة، ليستدعي الصبر ونطقك بهذا)؟ كنت أبرر لهم، في نفسي، أنهم يشعرون أنني أتَصبَّر عليهم، فيشعرون بالضيق من ذلك، أو ربما لأنهم لا يرون شيئًا يستحق قول هذا.
لن أنكر أنه بعد استنكارهم لي، بدأت أتعجب أنا أيضًا من هذا الدعاء الذي يلازمني كالظل، سواءً بإرادتي أو بغيرها؛ حتى جلست أتأمل فيه، فوجدت أنني أقوله غالبًا عندما يجرحني شخصٌ ما في حديثنا، أو يقول لي شيئًا يزعجني، أو ربما عندما أسمع ما يستحضر الضيق والغضب والانفعال، مما يجعلني أدعو الله بالصبر لأتحمل الأذى وأهدأ؛ كي لا أؤذي أحدًا بكلامٍ تود لو لم تنطق به أو يجبرني على إخراج أقبح ما فيني؛ فيكون هذا صبرًا عند الغضب.
وجدتني أيضًا أردده عندما أتعثر في السير، وكأنني أطلب الصبر على مشقة الطريق، وعرقلاته، وسقوط الأقدام، وعلى البذل والجدِّ والكدّ؛ إذ لا تُنال المعالي إلا بالصبر.
وجدتُ لساني يردده عند رؤية ما يؤذيني ويحزنني، أو عند مقاساة آلامي، أو عند البلاء والعناء والهم والكرب والفزع والجزع. عند كلِّ كبيرة وصغيرة من أموري؛ سواءً كانت صغيرةً عند غيري وعظيمةً عندي. ما يهم أنها تؤلمني لذا تحتاج صبرًا.
مررت بابتلاءٍ عصيبٍ قضَّ مضجعي، ولن أكذب إن قلت كنت أتقلَّب منه كمن يتقلب على جمر، أنام وأصحو وأنا أردد: (إنَّ الله مع الصَّابرين، إنَّ الله يحبُّ الصَّابرين، وهل جزاءُ الصَّبر إلا الجبر)؟ ولله الحمد، نلت جزاء ظني في ربي ورحمته.
وجدت نفسي أطلب الصبر على نفسي، وهواي، وشيطاني، ودنياي. فالإنسان بطبعه ضعيفٌ، لا يقوى إلا بالله، والنفس أمَّارة بالسوء، والدنيا طُبعت على كدر.
وفي مرة أخرى، جلست مع نفسي أتأمل. وجدتني أقول: (إنما أطلب الصبر حتى إذا حلَّ بي بلاءٌ، أو أي شيء، وجدني الله صابرةً بإذنه. إنما الصبر عند الصدمة الأولى).
ولطالما أثنى عليّ أصدقائي ومن حولي على قدرتي في التحكم بانفعالاتي، وهدوئي وثباتي في كل موقف. كانوا كثيرًا ما يشيرون إلى قدرتي على التحكم بمشاعري، وإخفائها عمَّن حولي، أو حتى إبداء عكسها إن كانت ستؤذي من أمامي، سواءً كان سبب هذه المشاعر أم لا.
أتذكر موقفًا مع صديقة كنت أعاتبها فيه على ردة فعلها، إذ قلت لها إنَّ ردَّها لا يليق بفتاة. فردَّت: (أنا لست مثلك. لا أستطيع التحكم في ردودي وانفعالاتي). سألتها: (لماذا)؟ قالت: (أنا فقط هكذا). ولم تكن الأولى التي تُلقي عليّ هذه الملاحظة.
وفي تأملي لحديثهم وآرائهم، وجدت أنني ربما مثلهم، وأنَّ التحكم ليس طبعًا فيَّ. إنما الدليل أنني أكون غاضبةً من الداخل، وحزينةً على ما أمر به، ولكنني رغم ذلك صابرةٌ وراضيةٌ ومطمئنةٌ. وربما، كل هذا بذاك الدعاء العابر ليس إلا.