حالة الأمة الإسلامية بين المحنة والوعد الحق

|

عاشت الأمة الإسلامية عهودًا من التمكين والريادة، وكانت بفضل الله مشعل نور يقود البشرية نحو الهداية والعدل. لكننا اليوم نقف في زمن اختلطت فيه المسارات، وضعفت العزائم، وتكالبت علينا الأمم كما تتكالب الأكلة على قصعتها، ليس لقلتنا؛ ولكن لهواننا على أنفسنا حين تخلينا عن مصدر عزتنا وسبب نجاتنا: التمسك بالإسلام الحق، بلا تبديل ولا تفريط.

ليس العيب في قلة العدة والعتاد، فقد كان السلف أقل من ذلك بكثير وانتصروا؛ ولكن العيب في قلوب غلفت بحب الدنيا وكراهية الموت، وفي عقول استُعبدت لأهواء زائفة وشعارات جوفاء، تفرق الأمة شيعًا وأحزابًا، فأضعفتها حتى باتت لقمة سائغة لأعدائها.

أمل هذه الأمة

إن أمل هذه الأمة في نصرها وعودتها لا يكون إلا بإعادة ترتيب أولوياتها، والانطلاق من عقيدة صافية، تجمع شتاتها، وتحيي همتها، وترفع لواء “لا إله إلا الله محمد رسول الله” فوق كل راية، لا قومية تحكم، ولا حدود مصطنعة تفرق، ولا ولاءات ممزقة تشتت.

معركة الإسلام مع الباطل لم تنتهِ؛ بل هي مستمرة حتى قيام الساعة، وأرضها اليوم ليست فقط فلسطين أو الشام؛ بل في كل بقعة غاب فيها العدل وساد فيها الطغيان. واليوم، العالم يشهد تغيرات كبرى، والحروب ليست فقط بالسلاح؛ بل بالغزو الفكري، والحصار الاقتصادي، والتضليل الإعلامي، وكلها تهدف لتطويع الأمة وإخضاعها؛ لكنّ المخلصين يظلون ثابتين، يؤمنون بوعد الله، ويعدّون أنفسهم لأيام قادمة تحتاج إلى رجال صادقين يحملون الراية ويعيدون مجد الأمة المسلوب.

فليكن كل مؤمن على ثغر من ثغور الإسلام، موقنًا أن الله لا يضيع أجر العاملين، مستعدًا للابتلاء قبل التمكين، وللاختبار قبل النصر، فلا نصر إلا لمن أدى حقه، ولا تمكين إلا لمن استحقه. وإنها لمعادلة واضحة في كتاب الله: ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.

الشدائد تمحص الصفوف

وإن من أعظم ما يُبتلى به المؤمنون في هذه الأزمنة هو التزييف الممنهج للوعي، حيث تُسلب العقول باسم “الحرية”، وتُفرغ القيم باسم “الحداثة”، وتُحارب الثوابت باسم “التسامح”، حتى بات كثير من أبناء الأمة غرباء في أوطانهم، ممزقي الهوية، لا يدركون من هم، ولا إلى أي أمة ينتسبون.

ولكن، كما أن الشدائد تُمحص الصفوف، فهي أيضًا تصنع الرجال. فمن رحم المحن يولد الأمل، ومن بين الركام تخرج الطلائع. وقد وعد الله هذه الأمة بالاستخلاف والتمكين؛ ولكنه جعل لذلك سننًا لا تتبدل ولا تتحول. فلا نصر مع التبعية، ولا عز مع الفرقة، ولا تمكين مع الذنوب والتقصير.

إن كل فرد في هذه الأمة مسؤول، ليس عن إصلاح الكون كله دفعة واحدة؛ ولكن عن دوره، عن ثغره، عن محيطه. فرب حامل فكرٍ صادقٍ يوقظ أمة، ورب كلمة مخلصة تغيّر مجرى حياة. فليبدأ كلٌّ بنفسه، وليعدّ لها ما استطاع من تقوى وعلم وعمل، وليربِّ أبناءه على حب هذا الدين، وعلى عزة الانتماء له، وعلى الاستعداد لحمل الأمانة حين يحين وقتها.

وإن غدًا لناظره قريب. وقد يتأخر النصر، ولكنه لا يضيع. وقد تشتد الظلمات، لكنها لا تطفئ نور الحق. ويظل وعد الله حقًا لا ريب فيه: ﴿وليَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ﴾، ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.

لقد آن للأمة أن تُراجع نفسها، أن تخرج من دوائر التباكي والتشكي، إلى ميادين العمل والبناء. أن تستبدل السلبية بالمبادرة، والركود بالحركة، واليأس بالأمل. فالأمة التي أنجبت أبا بكر وعمر، وصنعت حضارة امتدت من الأندلس إلى الصين، قادرة -إن صدقت العزائم- أن تعود خير أمة أُخرجت للناس.

أبواب الإصلاح

وما أكثر الأبواب التي يمكن أن يُطرق من خلالها الإصلاح! فالمعلم في مدرسته جندي، والكاتب في قلمه مجاهد، والأم في بيتها صانعة رجال، والتاجر في صدقه وبذله نصير لأمته، والعالم بدعوته وتوجيهه هو شعلة النور في ليل التيه.

ليس بالضرورة أن تحمل سلاحًا لتكون من جنود الإسلام؛ ولكن لا بد أن تحمل همّه. ولا يشترط أن تكون في منصب لتُصلح؛ ولكن عليك أن تكون حيث يُرجى منك الخير. فالعمل من أجل نهضة الأمة ليس حكرًا على أحد؛ بل فرض عين على كل من نطق بالشهادتين.

أمّا أن نبقى نُحمّل غيرنا المسؤولية، وننتظر التغيير من فوق، دون أن نتحرك في مواقعنا، فذلك وهمٌ لا يُثمر، وسرابٌ لا يُسقي.

فلنبدأ بالإصلاح من ذواتنا، ولنجعل من بيوتنا قلاعًا للإيمان، ومن أعمالنا عبادات، ومن علاقاتنا روابط على أساس التقوى. ولنتحلَّ بالصبر والثبات، فطريق النهضة طويل؛ ولكن نهايته مشرق لمن سار فيه بيقين وثبات. والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

لسنا في زمن رفاه!

أيها الكرام، لسنا في زمن رفاه، ولسنا في لحظة ترف فكري؛ بل نحن في زمنٍ تتكالب فيه الفتن، وتُستباح فيه الحرمات، ويُستهزأ فيه بمقدساتنا علنًا، ويُستضعف فيه أهل الحق في مشارق الأرض ومغاربها، لا لشيء إلا لأنهم قالوا: ربنا الله.

ولكن؛ ورغم هذا الظلام، لا يجوز أن نُسلِم للضعف، ولا أن نستسلم للإحباط. إن العدو الأول في معركة النهضة ليس سلاحًا موجّهًا من الخارج؛ بل هو اليأس المزروع في قلوبنا، والتخاذل المغروس في نفوسنا، والانهزام النفسي الذي يجعلنا نُشكّك في قدرتنا على التغيير.

إن وعد الله لا يُنال بالتمني، ولا يتحقق بالأماني؛ بل بالعمل الصادق، والتضحيات الجادة، والبذل المستمر، والإخلاص التام. فكما أن جيل بدر لم يُنصر بعدد ولا قوة؛ بل بنقاء العقيدة، وثبات الموقف، وصدق التوكل؛ كذلك نحن اليوم لن نُعاد إلى عزتنا إلا إذا سلكنا ذات الطريق.

أيها المسلمون، ليكن في يقين كلّ واحدٍ منّا أنه على ثغر من ثغور هذه الأمة، فإن نام؛ خُرق الثغر، وإن خذل؛ خُذلت الأمة، وإن باع؛ ضاعت الأمانة. فلا تستصغر دورك، فإن قطرات الماء تصنع الأنهار، وإن بذور الوعي تنبت أجيالًا من النهضة.

ربَّ كلمةٍ في مجلس، أو موقفٍ في محلّ، أو فكرة تُنشر، أو تربية تُبذل، تكون بها لبنة في صرحٍ عظيم يُبنى. 

واعلم أن الله مطّلع، لا تخفى عليه خافية، وأنه لا يضيع أجر المحسنين، ولا يخيب من صدق في نصر دينه، ولو بجهد يسير.

نحن أمة خُلقنا لنقود، لا لنتبع. لنُصلح، لا لنفسد. لنكون شهداء على الناس، لا على هامش التاريخ. وإن طال الطريق؛ فالعبرة بالخواتيم. وإن اشتد البلاء؛ فبعده يأتي النصر. فامضوا إلى الله، واجعلوا أعينكم على وعده، وقلوبكم عامرةً بثقته، وسيروا… فإن نصر الله آت، وإن غدًا قريب، وإن الفجر لا بد أن يطلع

-سجى المسلمة

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة