وهَبنا الله عينين لنرى بديعَ خلقه ونتأمله فنحمدهُ، دعونا نمضي في رحلة لتأمل خلق الله، ولا نُغْفِل التَفاصيل مهما صَغُرَت؛ فَفي كُل زاوية جَمال، وكل جَمالٍ يتركُ في داخلِنا خيطاً رقيقاً من النور، وكل نور يضيئنا؛ فيحارب جيوش الظلام التي تُحيط بنا.
ورغم الأحزان التي امتلأت بنا رغماً عنّا؛ إلا أنه لا زال هناك متّسع لبسمات صغيرة تُرسم على الشفاه حين مراقبة نملة صغيرة تحرك قرني الاستشعار ببطء لتتواصل مع نملة أخرى، عصفور يقفز على أرض خاوية في البكور، هِرة تداعب قماشاً عالقاً بغصن شجرة ظانّة إياه كائناً حيّاً يلاعبها، أطفال ينثرون الضحكات على الأرصفة ويركضون. قنفذ صغير، قطعة من اللحم الطري فجأة يكور نفسه فيجعل من أشواكه دِرعاً له من كل مفترس متربّص.
استشعِر في داخلك أنّها عبودية إن أحسنت نيّتك في التعرف على خالقك وتعظيمه في قلبك؛ فكلّما علِمت عنه أكثر زاد حبُك له وإكبارك لجلاله وعظيم صنعه.
ذكر الدكتور علي الصلابي في كتابه المعجزة الخالدة:
“النحل مهندس معماري: من آيات إلهام الخالق عز وجل للنحل اتخاذها من الشكل السداسي أساساً لبناء مسكنها، من مادة الشمع التي تنتجها، وهذا الشكل يستخدم كمخادع لتربية الحفنة الصغيرة، أو مستودعات لتخزين العسل أو حبوب اللقاح ،فالشكل السداسي للعين يتطلب أقل كمية من المادة البنائية الشمع، كما أن الشكل السداسي هو خير الأشكال الهندسية التي لا ينتج عنها فراغات بينية”.
“قد اكتشف العلماء أن للنمل لغات تفاهم خاصة بها، وذلك من خلال تقنية التخاطب من خلال الشفرات الكيماوية، فلكل نوع من الحيوانات رائحة خاصة وداخل النوع الواحد هناك روائح إضافية، بمثابة بطاقة شخصية، أو جواز سفر للتعريف بشخصية هذا الحيوان أو العائلات المختلفة، أو أفراد المستعمرات المختلفة، والنمل يتميز برائحة خاصة تدل على العش الذي ينتمي إليه والوظيفة التي تؤديها كل نملة في هذا العش”.
“العلماء في عالمنا المعاصر توصلوا إلى اختلاف كريات الدم الحمراء عند الإبل عن بقيه كريات الدم الحمراء في جميع المخلوقات، إذ أن جميع الحيوانات لها كريات دم حمراء مستديرة الشكل؛ أما الإبل فإن كريات الدم عندها إهليجية، وليس لها نواة.
وذلك لحكمه أرادها الخالق عز وجل، من أجل هذه الخاصية يمكن أن يشرب الإبل 100 لتر من الماء مرة واحدة، عندها تنفتح كريات الدم بقدر حجمها مرتين دون أن تنفجر”.
“‘رويال ويكسون’ درس مدينة النمل 20 عاماً في بقاع مختلفة من العالم، فوجد أن النمل يرعى أبقاراً ،وهي خنافس صغيرة رباها في جوف الأرض حتى فقدت في الظلام بصرها، على سبيل المثال (بق النبات) تلك التي تعيش على النبات، ويصعب استئصالها ،يرسل النمل رسلاً يجمع له بيوض هذا البق، يعتني بها حتى تفقس، وتخرج صغاره وعندما تكبر تخرج سائلاً مؤلفاً من مواد سكرية نسميه عسل النمل، تحلبه جماعة من النمل.
تنتج هذه البقرة 48 قطرة خلال اليوم”.
سبحان من خلقَ فأبدع! يستحيل أن ترى إنساناً حيّ القلب ريان المشاعر يدقق النظر في كل مخلوقات الله بدءاً من أنسجة جسمه إلى الجبال الرواسي والمخلوقات البحريّة؛ ثم ترى في قلبه شكاً بالله. فالتعمّق يورث برد اليقين ولذة الإيمان.
{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، جاء في تفسيرها: من كان باللّه أعلم، كان أكثر له خشية.
جعلكَ الله خاشياً له، عالماً به، ناسِباً فضل كل نعمة وتفصيل مهما صغُر إليه، مُعترفاً أنك ما أوتيت من العلم إلا قليلاً.