بالنسبة للنساء اللاتي تأخّر زواجهنّ ويجدن صعوبة بالصبر ويشقّ الأمر عليهن؛ فالفتن قوية ولا تستطيع دفعها، وفطرتها والأمومة تناديها، تحاول إسكاتها؛ لكن الواقع صعب مع سهولة الحرام وصعوبة الحلال والله المستعان.
أبدأ مستعينة بالله، أما بعد:
فقد فطرنا ربنا على حبّ الزواج والتعفف، وعلى حبّ الأمومة واحتضان طفلك بيدك؛ فهذا من فطرة الفتاة السليمة التي جُبلت عليها. ومن منا لا تحبّ أن تعيش بسكينة وراحة مع زوج صاحب دين وخلق، تنجب الذرية الصالحة، وتخرج رجالًا لهذه الأمة ليحملوا رايتها؟ ومتى كان هذا لا يهمّ الفتاة فهي بين أمرين:
– إمّا أنّها تعيش في مجتمع يمنعها من التعبير عن مشاعرها؛ كأن تكون راغبةً بالزواج وأمها ترفض فطرتها وكثير من الأمهات وللأسف لا يحببن أن تُفصح بناتهنّ عن رغبتهنّ بالزواج، ويعتقدن أنها من قلة الحياء أو بدافع الشهوة، ويبدأن بالأسئلة مستعجبين: من علّمكِ هذه الأفكار؟ عند هذه اللحظة تفضل الفتاة الصمت لكيلا تتوجه لها هذه الاتهامات. وعلى الأمهات أن يتقين الله في بناتهنّ؛ فإنّ الرغبة بالزّواج والأمومة هي فطرة بكلّ حواء، وعليهنّ أن يدركن بأنَّ هذا زمنٌ صعب وليس كزمانهنّ؛ ففتنه باتت أكبر.
– أو أنّ فطرتها تشوّهت ودخل عليها خبث النسوية حتى استولت على عقلها وتفكيرها وصارت مبادئ النسوية ديدنًا لحياتها، فباتت تكره الرجال ولا تريد أن تفكر بالزواج؛ بل قد يصبح الزواج أمرًا مقرفًا بالنسبة لها، وللأسف أكثرهنّ اكتشفن أنهنّ على خطأ بعدَ أن باتت لا يمكنها الرجوع؛ فقد كبر سنها ولم تعد قادرة على الإنجاب. تنظر حولها فلا تجد بجوارها زوجًا يكون لها كتفًا تستند عليه ولا أبناءً يحتووها بكبرها كما احتوتهم بصغرهم.
الآن لنعُد لسؤالنا: ماذا تفعل الفتاة في ظل الفتن الهائجة، ومع تأخّر زواجها؟
بدايةً، لا يمكنك حل مشكلة قبل أن تعرفي أسبابها، وقد أوضحت أنها طبيعة فطرية ونفسية وجسدية؛ لكن لا يعني ذلك أنّك تعجزين عن التعامل معها، وإليكِ نصائحًا تعينك في ذلك:
أولًا:
اعلمي أن الزواج رزق من أرزاق الله، وأنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب، قد يأتيكِ هذا الرزق وقد لا؛ مثله مثل رزق المال، المنزل، والأطفال، كله قد كتب وقدر لكِ، وما كان لكِ فلن يفوتك، تيقني بهذا وأحسني الظن بربك.
ثانيًا:
اعلمي أن الله يراكِ، يعلم ما في قلبكِ، يعلم غصتك عند كل مرة ترين فيها أمًّا تحمل طفلها، يعلم كل دمعة خفية ذرفتها، يعلم السر وأخفى، ويعلم كيف حافظتِ على قلبك. يعلم غضّكِ لبصركِ عن شاب أعجبك سمته بالطريق، يعلم إخفائكِ لزينتكِ كي لا تفتني بها شاب، يعلم كل مرّة جاهدتِ بها قلبك من الميل وكبحتِ هواكِ، ويعلم ما لا تعلمينه أنتِ من نفسكِ. وكل هذا تؤجرين عليه، ولكِ أن تتخيلي كم أنّ الأجر كبير، والله كريم يضاعف لمن يشاء.
ثالثًا:
اعلمي أنّ ما تمرّين به ابتلاء، وأنَّ هذه الدار دار بلاء وليست دار جزاء، وربنا لا يحملنا مالا طاقة لنا به؛ فكل بلاء أنتِ قادرة على تحمله، والابتلاء أنواع: قد يكون بالأهل، أو بالمال، أو بالمرض، أو بالفقد وغيره، وكل شخص مُبتلى لا مُحال، ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾، والأنبياء كانوا أشد الناس بلاءً، والبلاء على درجات متفاوتة؛ فكلٌ يبتلى على قدر دينه.
رابعًا:
أوصيكِ بالعفاف، قال الله عز وجل: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ﴾. اعلمي أنَّ التعفف جوهرك الثمين، وقد قلّ في هذا الزمان؛ فاستمسكي به ولا تضيّعيه.
خامسًا:
اشغلي نفسك واستثمري وقتك وجهودك بتعلم ما ينفعك إذا تزوجتِ وأصبحتِ أمًّا؛ من سماع سلاسل وقراءة كتب، ولأني أريد ان أكون صادقة معك فاعلمي أنك حين تتزوجين ستُشغلين ولن يكون لديكِ وقت كبير؛ فتريدين أن تؤدي حقوق الزوج والطبخ والاعتناء بالأطفال، وكله جميل وعمل لكِ أجر عليه، ولكنه سيأخذ من وقتكِ فاستغلي فراغك الآن بما ينفع.
سادسًا:
ابتعدي عن كل ما يؤجج عاطفتك من مسلسلات وأفلام ووسائل التواصل الفاسدة، وغيرها من مدخلات الشيطان. ابتعدي عن كل ما يؤذيكِ، وأعني بذلك إذا اجتماعك بنساء متزوجات كلّ حديثهنّ عن الزواج وكيف يهتم بها زوجها ويحبها، إن كان ذلك مما يسبب لكِ الأذى فتجنبيه.
سابعًا:
لا تستصغري نفسك بأن تقولي ليست لدي مسؤولية ولا أستطيع أن أكون أم؛ بل يمكنك إشباع مشاعر الأمومة بأن تعلمي الأطفال السيرة أو قصص الأنبياء والصحابة أو تُحفظيهم القرآن بما تتقنيه، ستشعرين بدفء وأنس بهم وستخافين عليهم كأنهم أولادك وستحلمين أن يكونوا صالحين مصلحين نافعين لأمتهم.
ثامنًا:
لا ضير من التعامل مع الأمر كما يُتعامل مع الأمراض، ويُرجى تيسيره بدفع الصدقات وقراءة القرآن وعمل الأعمال الصالحة، بل ولا ضير من التداوي بالرقية الشرعية والالتزام بأوراد ذكر كالاستغفار والصلاة على النبي ﷺ.
تاسعًا:
لا تكوني انطوائية، اجعلي لكِ صحبة صالحة، تجمعي معهم كل فترة متزينات متأنقات بما يرضي الله. احضري مجالس النساء المنضبطة بالشرع وتزيني وأبدي جمالك، البسي الأنيق مع ضبط اللباس بحدود العورة وعدم إظهار الزينة للرجال.
وأحيطي نفسك بالملتزمات من أهل العلم والفضل من النساء، وأعلميهنّ بأنك عزباء، وهنّ سيدلّلن عليكِ بإذن الله ويبحثن لكِ عن زوج صالح من معارفهم.
عاشرًا:
أعلمي من حولك برغبتك بالزواج؛ أمك أو أحد من النساء التي تعرفين أنها أمينة وشخصية اجتماعية بحيث يمكنها أن تتولى أمر زواجك وتخبر معارفها بأنك لا زلتِ عزباء، ويمكنك أن تخبري أمك بمشاعرك وتحكي لها عن رغبتك بالزواج لكي تخبر والدك؛ ولا تخجلي من قول ذلك لأمّك فعليها أن تتفهم هذه الرغبة الفطرية فيكِ. ولا بأس بأن يذكرك أخوكِ أو أبوكِ لرجل صالح، ولهم بقصة عمر بن الخطاب أسوة.
س: ماذا لو أنَّ أمي رفضت هذه الفكرة؟
ج ــ الأم عليها هي بالأخص أن تتفهم هذه الرغبة لأنها أنثى مثلها، ولأنها ابنتها، فتعلم ما هي بحاجة إليه وما تتوق نفسها له، وعلى الأمهات أن يتقين الله في بناتهنّ، وعليهنّ أن يعلمن أنّ هذا الزمن ليس كزمانهنّ، وعندما ترى الفتاة صدًّا من أمها عن هذا الأمر تشعر بالإحباط وأنه ليس هناك أحد يفهمها فتبتعد وتحاول نسيان الأمر، وآهٍ لو تعلم الأم كم تعاني ابنتها من ذلك.
يا أخيتي، إذا رأيتِ من أمك صدًّا فأولًا عليكِ بالدعاء فهو يغير الأقدار، ثمّ عليكِ أن تخبري أحدًا تعلمين أنه سيساعدك؛ أختك، جدتك، خالتك، أو أي أحد يقدر على تفهمك وتعلمين أنه حكيمٌ ولا يقف ضد ّشيءٍ ممّا قدره الله.
واصبري واحتسبي، والله أني أعلم أن الأمر شاق وصعب، وبالأخص إن كنتي تريدين التعفف ومن يمنعك منه عائلتك؛ ولكن لا تنسي أن كل شيء مقدر وله أجره، كل هذا مكتوبٌ عليكِ وعندما يأتي نصيبك لا يمكن لأحد أن يمنعه، فحافظي على نفسك وتعففي وسيجعل الله لكِ من أمرك مخرجًا.
ولا تفكري بالموضًع كثيرًا، بل تعلمي وتفقهي في دينك وسيأتي كل شيء بوقته، ولا تنسي: ﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
وأما بالنسبة للفتاة التي تلوث فكرها بالنسوية:
أقول لكِ يا أخية: اعلمي أنَّ النسوية فكر خبيث قد أتى من الغرب وانتشر بمجتمعاتنا المسلمة، وهم يدسون السم بالعسل، تظنين أنَّ كلامهم صحيح وأنه حقوق للمرأة وتمكينٌ لها؛ ولو رجعتِ للوحي الرباني لعلمتِ أن الإسلام هو من كرم المرأة، ولو نظرتِ للواقع لرأيتِ أنّ الغرب هم من أهانوا المرأة وجعلوها سلعة لمن يشتريها، ومنهم بدأ امتهان المرأة وسلب حقوقها بدعوى تحريرها ومساواتها بالرجل؛ فهل ترضين أن تكوني مأسورةً في فكرٍ خبيثٍ لا يريد لك أن تتنعمي بحقّك الشرعي ويريدك أمةً للدنيا؟ أعيذك بالله من هذا الخبث والضلال.
يا أخية، والله لا الشهادة ولا الدراسة تنفعك إذا لم تتقي الله وتجعلي حصولك عليها فيه هدف لسد ثغر ما تحتاج له الأمة، ولن تنفعك عندما يتأخر زواجك لأجلها فتكوني قد كبرتِ وضعف جسدك ولم تعودي قادرة على الإنجاب، تنظرين حولك ولا يوجد من يساندك ويحنو عليكِ من أولاد وزوج.
وكثير من النساء يمر عليها الأمر بدايةً وكأنّه طبيعيّ وكأنّها حققت إنجازًا وعاشت لنفسها، ولا تشعر أو تلاحظ أثر هذا الخبث إلا بعد فوات الأوان إلا من رحم ربي.
ثمَّ تمر الأيام وتكتشف أنها فقدت الكثير ولم تلاحظ، وحتى لو كبتت هذا الأمر سيظهر لها بوقت آخر وإن أخفته. عندما ترى أنثى بنفس عمرها لديها ثلاث أولاد ستشعر بالنقص وحاجتها لحضن طفلها، عندما ترى زوجًا مع زوجته يغار عليها ويقوم على شؤونها ستشعر بالنقص وبحاجتها للاحتواء، ستشعر أنّها بحاجةٍ ليكون لها زوج يدير أمور حياتها ويكون قوّامٌ عليها ويغار عليها ويحفظها بقلبه. وهذه النماذج كثيرة، تندم بعد أن لم يعد ينفعها الندم.
ولكن لا تيأسي من روح الله فالله كريم، حتى لو كبرتي ولم تستطيعي الإنجاب وتقولين من سيقبل بي بهذا العمر، أذكرك أن الله عفو كريم، ابدئي بتعلم دينك واسعَيْ للزواج والله هو من يتولى شأن الذرية، فقد كانت امرأة نبي الله زكريا عاقرًا وقد أكرمها الله بالذرية؛ فلا يأس وكرم الله واسع. وتذكري أنه يمكنك أن تكوني أم وإن لم تنجبي، ولكِ بقصة أمنا عائشة موعظة.
اسمعي مني يا أختي بالله، لم أرد سوى نصحك لأني أنثى مثلك وأتفهم شعورك، ولا أريد أن تندمي على شيء بحياتك، أنصحك لتأخذي قرارك الصحيح بهذه الحياة وتحاولي أن تخرجي من هذه الفتن بقلب سليم، أن تخرجي من هذا المستنقع من غير أن تغرقي.
وما أجمل أن تعيشي حياة هانئة مع زوج حنون وبيت دافئ، وأولادٍ صالحين تعتنين فيهم وتربيهم وتملئين قلوبهم حبًّا وحنانًا، تربينهم تربية صالحة لكي يبروكِ ووالدهم حين يكبرون، وتعلمينهم القرآن والسنة وتجعلين الرسول قدوتهم! ما أجمل أن تعيشي ببيت ساكنٍ وسعيد يُبنى على أساس الدين وأحكامه!
أقول مقالي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ما كان من صوابٍ فمن الله وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته