سألتها بعد طول صمت وهي تتأمل في السماء والنجوم، قلت لها مُستغربة: لما تحدقين هكذا ألم تملّي؟ قالت: واعجباً لكي، أيمل عبد يتأمل في خلق ربه؟ ذريني أتمتم بقلبي وأتكلم مع ربي، وإن لم أره وأسمعه فإنه يراني ويسمعني وهذا كفيل بأن يؤنسني ويطمئنني.
ذريني أتأمل قول الله
﴿وَيُمسِكُ السَّماءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأَرضِ إِلّا بِإِذنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنّاسِ لَرَءوفٌ رَحيمٌ﴾
وقوله سبحانه
﴿اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا هُوَ الحَيُّ القَيّومُ لا تَأخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَومٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ﴾
ذريني أسبح بعظمته وأقول:
﴿رَبَّنا ما خَلَقتَ هذا باطِلًا سُبحانَكَ﴾
ثمَّ أكمل الأيات وادعوا وأبتهل.
دعيني أتأمل السماء كم هي بعيدة عنا، ومَلِكها قريب؟ دعيني أتأمل قول ربي:
﴿وَنَحنُ أَقرَبُ إِلَيهِ مِن حَبلِ الوَريدِ﴾
وكيف أن فوق سماء الدنيا سماواتٌ وفوقها جنة الخلد. بمجرد تذكر الجنة؛ تُحبس دمعي وتختنق عبراتي، وأتسأل هل سأكون من سكانها وهل سأمشي برياضها هل سأشرب من يد الرسول ﷺ، وأكون قريبة له مجلسًا وأرى أمهات المؤمنين وأمنا عائشة التي طالما اتخذتها قدوة وتشبهت بها وتمنيت ان أراها؟ ثم ما يسعُني ألاّ وأنظر لأعمالي وأقول: واخجلتي أبهذا ستقابلي ربك؟
وحين انظر للقمر البهي وضوئه الساطع الذي ينير لنا عتمة الليل؛ أتذكر حديث رسولنا الكريم ﷺ،
” كنَّا جلوسًا عِندَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: فنَظرَ إلى القَمرِ ليلةَ البدرِ، قالَ: إنَّكم ستَرونَ ربَّكم كَما ترونَ هذا القمرَ، لا تُضامونَ في رؤيتِهِ”. فاشتاق إليه أكثر وأكثر، ولا يسع نفسي سوى؛ أن تزرف دموعها حُباً لهُ وشوقاً إليهِ وخشية منهُ
فلا تسأليني أمللتي؛ لأن هذه الجلسة وتأمل السماء وخلق الله، والتمتمات التي تخرج من القلب قبل اللسان؛ لهي أحب ألي من الدنيا وضجيجها. وأنسي بالله لا يعادله أيّ أُنس.
ثم نظرت لها فأذا بها انتقعَ وجهُها وشحب، وبكت وأجهشت بالبكاء، حتى ظننت أنها تتقطع ألمًا، فقالت لي: أني والله أخشى أن تبعدني الحياة عن ربي، فمنذ مدة طويلة لم أجلس هذه الجلسة، وقد بَعدت حتى ظننت أن لامجال للرجوع، وأني والله أشتاق للجنة؛ فأخشى أن أحرمها؛ بسبب لهوي بالحياة، وأني أشتاق لربي فأرجوا أن لا أحرم بذنوبي من النظر إليه سبحانه.
ثم رفعت رأسها للسماء، وبصوت متقطع؛ أنشدت ما أنشده الإمام الشافعي:
إليـكَ إلـهَ الـخـلقِ أرفـعُ رغـبـتـــــــــــــــــــــــــــــي
وإن كُنتُ يا ذا المنِّ والجودِ مُجرما
ولمّا قـسـا قلبي وضـاقت مـذاهبــــــــي
جـعلتُ الـرَّجا مني لعفوِكَ سُـلّـمـــــــــــــــا
تعاظـمـنـي ذنـبـي فـلمّا قـرنـتُــــــــــــــــــــــــــــــــــهُ
بعفوِكَ ربِّـي كـان عفوكَ أعـظـمـــــــــــــــــا
وما زلتَ ذا عفوٍ عن الذنب لم تزل
تـجـودُ وتـعـفـو مـنّـةً وتـكـرُّمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا
ولـولاكَ مايقوي بـإبليسَ عـابـــــــــــــــــدٌ
فـكـيف وقـد أغـوى صفيَّ آدمــــــــــــــــــــــــــا
فيا ليتَ شعري هل أصِيرُ لِجنَّـــــــــــــةٍ
فـأهـنـا وإمـا للـسَّـعِيرِ فأنـدمـــــــــــــــــــــــــــــــا