قال النبي صلى الله عليه وسلم: “بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء”.
غرباء هم أولئك؛ حاجتهم في أطوائهم، لا يجدون لها قضاءً. كان الإسلام في بدايته غريباً، لم يؤمن به إلا القليل، وأكثر الناس عادوه وعاندوا النبي صلى الله عليه وسلم، وآذوه صلوات ربي عليه وآذوا أصحابه الذين أسلموا؛ فهم تركوا عبادة الأصنام والشرك بالله، وتركوا كل ما حرم الله، خالفوا قومهم وما كان عليه أجدادهم. وهكذا الآن الغرباء الذين يستقيمون على دين الله، عندما تكثر معاصي الناس وشرورهم؛ يستقيم هؤلاء الغرباء على طاعة الله ودينه، فأهل الإسلام في الناس غرباء، والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم في المؤمنين غرباء، وأهل السنة غرباء.
غرباء هم أولئك الذين يقفون شامخين مع كل الفتن والشهوات والشبهات المحيطة بهم، هم أولئك الذين يصدون كل السموم التي ينشرها الغرب ويريدون غرسها فينا.
الغريب من إذا ذكر الحق هُجِر، وإذا دعا إلى الحق زُجر. الغريب إن خطب لا يُنكح، وإن شفع لا يُشفع، وإن قال لا يستمع؛ فطوبى لهؤلاء الغرباء الذين ارتضوها شعاراً للحياة. مالكم والدنيا، نحن هنا لسنا إلا غرباء نبتغي حسن الختام وطيب الأثرِ.
كيف يأنس الغريب؟
١- الأنس بالله
الغريب في وحشة يذهبها الأنس بالله. قال أحد السلف: (مساكين أهل الدنيا، خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله، والأنس به، والشوق إلى لقائه، والنعم بذكره وطاعته).
فالأنس بالله يغني عن صحبة المخلوقين، والأنس لا يحصل إلا بالاشتغال بذكره، ودوام عبادته، والبعد عن القواطع والمشتتات والملهيات التي تقسي القلب.
قال ابن رجب رحمه الله: (من كان الله أنيسه في خلواته في الدنيا فإنه يُرجى أن يكون أنيسه في ظلمات اللّحود إذا فارق الدنيا).
٢- الأنس بالقرآن
تمضي الحياة وأنت تطلب أنسها والأنس كل الأنس بالقرآن. القرآن يهديك ويفتح مغاليق قلبك، طول مصاحبة القرآن يكسب الإنسان أنس به وانقياداً لأوامره ونواهيه. قال سفيان الثوري: (ليتني كنت اقتصرت على القرآن)؛ فالقرآن هو الحل، هو الدواء، هو الأنس، هو عمارة لقلوبنا، قلوبنا أوعية فاشغلوها بالقرآن.
٣- الإنابة
الإنابة إلى الله هي مفتاح السعادة والهداية، والمنيب هو الشخص كثير الرجوع إلى الله، من المعصية إلى الطاعة، من الغفلة إلا الذكر، المنيب حتى إذا كان في طاعه لا يستطيع أن يبقى بدون الرجوع إلى الله، يشعر في قلبه بشيء؛ لذلك تجده كثير الرجوع إلى الله.
أرأيت تلك الوحشة التي تعتري الإنسان في طريقه إلى الله سبحانه وتعالى؟ أحياناً يشعر الإنسان بفتور، بجفوة، بوحشة، بشيء من جفاف الروح، والذي ينتبه في تلك اللحظة هذا هو المنيب. والعلم بالله يؤدي للمحبه والمحبة تؤدي للإنابة:
﴿مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ﴾.
ختاماً، لا تحزن؛ فأنت الغريب الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: “طوبى للغرباء”. تذكر دائماً أنك عابر تبتغي حسن الختام وطيب الأثر.