أيا بُني، إنّي لأوصيك، أحِط نفسك بأولئك الّذين يزرعون الجَمال بداخلك، ويُحيطونك بالبَهجة أينما ولّيت وجهَك. صُحبة صالِحة تُبادِلك أطراف الأحادِيث الهادِفة، وتُسامِر ضوء القَمر بِرفقتك، والكُتب تُحيط بِكم مِن كُلِّ جانِب. صُحبة تعرِف جيدًا كيف تُمسِك يَدك وتأخُذ بها إلى الجَنّة، فـ”صحبة الصالحين تُصلِح”.
أيا ولدي، رفقًا بنفْسِك، فابتعد عَن رُفقاء السّوء، والمُحبِطين جَميعًا، والتُّعساء منهُم، والّذين يَبذرون الحزن أينما حلّوا وارتحلوا، والبائِسين مِنْ النّاس؛ فما هُم لحياتك إلّا داء سيُعيّشُك مِن حَلاوةِ الدُّنيا أدناها، ومِن جحيم الحَياة أعلاها، ولن تَجِد لَك منهُم دواءً مُنقِذًا، حتىٰ تهجُرهم هجرًا جميلًا، وتتّخذ لَك عنهُم رفيقًا مؤنِسًا، يُعينك علىٰ نفْسك والدُنيا، ولا يكون مِن البؤساء.
فالبؤساء يا ولدي، أُناسٌ أشقياء، لا يعرفون لِذة الحياة مَع القُرآن، وإلّا لما ابتأسوا؛ لأنه من المُحال جِدًا، أن تجِد شخصًا يعيش القُرآن في صدرهِ، وكُلّ حياته، فيبتَئس! أو يبقىٰ علىٰ حالهِ تعيسًا مَهمومًا!
أيا بُني، إنّ صُحبة القرآن، تأخذ بيدك إلى الخير كُله، تذيقك حلاوة الدنيا برفقتها. أن تجد من يتدارسه معك، فتتسابقان معًا على مضمار المعرفة في ميدان العلم، كمن “سلك طريقًا يبتغي فيه علمًا”، فيُسهّل لكما الرحمن بهِ طريقًا إلى الجنة!
أن تجِد رفيقًا يمنحك بصحبتهِ الرضى عن نفسك والحياة، والله تلك لنعمة، وأيّما نعمة أعظم من أن يجد المرء رفيقًا مؤنسًا يُحبّه في الله ولله؟ رفيقًا ينثر في قلبك بذور الأمل، فتستشعر بقربه لذة الصُحبة الصالحة، وحديث المُصطفى ﷺ وهو يقول عنكما: “ورَجُلان تحابّا في اللّٰه اجتمعَا عليهِ وتفرّقا عليه”، فتكونا من السبعة الذين يظلّهم الله في ظلّه، يوم لا ظلّ إلا ظلّه! أي شرف أعظم من هذا يا ولدي؟ أن تحظى بمنزلةٍ كهذه يا بُني، فإنك لذو حظٍ عظيم.
تذكّر يا بُني، أنَّ الصُحبة الصّالحة نِعمة، فلا تحرِم نفْسك مِنها. ولتلقاها، أصلح نفسك أولًا، كن صديقًا صالحًا، لتجد لك صديقًا صالحًا يؤنسك في وحشة هذه الدار، ويزيل عنك بعضًا من غربة هذه الدنيا، تكون صحبتكما كلها لوجه الله، فتلقياه معًا بقلبٍ طاهرٍ ونقي. فلا تحرِم نفسك لذة الوقوف بين يديهِ سُبحانه بصُحبةٍ صالحةٍ يُحبّها ويرضاها.
