قعيد الجسد صحيح الروح

|

أحمد ياسين قعيد الجسد صحيح الروح

ولد أحمد ياسين في يوم اتّشحت لياليه ونهاراته بالسواد، لم تعلو الزغاريد كعادة بيوت فلسطين، وكيف تعلو وقد اغتيل مقاوم للاحتلال الإنجليزي (عز الدين القسام)؛ فانحنت الأشجار حزينة، وبكته السحائب.

عايش في الثانية عشرة من عمره ذروة النكبة الإسلامية الحديثة، حين سقطت فلسطين بيد اليهود. أصيب بحادث أثناء ممارسته للرياضة سببت له شللاً كلياً وهو في الرابعة والعشرين من عمره فأصبح قعيد الجسد؛ أكمل تعليمه وعمله بالتدريس، وصار خطيباً.

لم يثنِه شلله؛ فالقعيد قعيد الروح لا قعيد الجسد، قلبه كالحديد بأساً، وكالفحم توهجاً؛ لا كبريتاً يتقد بسرعة وينطفىء بسرعة، ينثر الدفء فيمن حوله، ويصب الهمم في أرواح من حوله صباً.

فكان كالموت الزؤام للاحتلال، وسلسلاً عذباً لأهالي الشهداء والمعتقلين. يوزع القمح والزيتون في السِلال التي عاينت الفاقة وقدمت منى روحها شهداء في سبيل الله، يمسح على رؤوس الأيتام الحزانى، يقاوم دمعاته من الانسكاب على الأرامل والثكالى؛ فمن دفئ دمعاته يوقد الحطب، ويوقد القلوب. زادٌ لمن لازاد له، وأمل لمن احتضر أمله.

كان بيت القصيد بوجهه البشوش، وهمته الوقّادة التي تصل هامة النجم، وبصره الذي يترامى للأفق البعيد. يتحلّق حوله الشباب، يخطّط كثيراً، وينام قليلاً؛ وكيف ينام من يحمل هم الأمة بين جنبيه؟ فرقٌ بين من لا ينام خوفاً وجبناً، وبين من ناداه واجبه فلبى مسرعاً.

أسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لجهاد اليهود، الحركة التي غدت شوكاً في أسرّة الاحتلال الصهيوني وأذياله؛ تمنعهم من التقلب؛ بل النوم، وقذى في عيونهم.

طورت حركة المقاومة الإسلامية وسائلها من الحجارة والمقلاع إلى السكين إلى الجهاد بالسلاح، إلى العمليات الاستشهادية، واستطاعت تصنيع صواريخ محلية. واستطاعت بما أبدته من مقاومة مع غيرها من الفصائل أن تجبر الاحتلال على الانسحاب من قطاع غزة (٢٠٠٤م) ثم أوقعت به هزيمتين في (۲۰۰۹، ۲۰۱۲م).

لم  يشهد الشيخ أحمد ياسين كل هذا؛ فقد نال الشهادة بإذن الله، فقد تم اغتياله عند خروجه من صلاة الفجر (۲۲) آذار ٢٠٠٤؛ لكنّه زرع آلاف الفسائل في قلوب من حوله وسقاها بماء الوَحيين قبل أن يزرعها في تربة فلسطين.
كان يعلم أنّ الجفاف ربما نال من الصلصال؛ فتذوي كل الفسائل وتتهشم قطع الصلصال أمام الملمّات؛ لكنّ تربة القلب تبقى أبداً حية.

أحمد ياسين، كان نقطة في فاصلة في التاريخ. لا يُنْحَت في سجل التاريخ أسماء مبتوري الهمم، ولا المغفلين؛ بل السادات والشجعان، أصحاب الرؤى والبصيرة، أصحاب المشاعل والمشاعر، من حملوا في قلوبهم الأمة فحملتهم الأمة، كل الأمة في قلوبها وأذهانها.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة