تُثير مسألة فهم وتطبيق المساواة بين الرجل والمرأة في بعض الدوائر الإسلامية تساؤلات عميقة في قلوبنا. ويُخالجنا شعورٌ بالأسى حين نرى مطالبة المرأة بتبني ردود فعل وسلوكيات قد لا تُلامس جوهر أنوثتها، بدلًا من الاحتفاء بدورها الفريد وخصائصها الأنثوية النديّة. إنها حقًا لمعضلة تستدعي تفكيرًا هادئًا ومُتأنيًا!
إنَّ هذا يدعونا للتأمّل مليًا في معنى المساواة الحقيقية بين الجنسين في ظل هدي ديننا الحنيف، وأن نتجنب أي اختزال قد يُفضي إلى إجحافٍ بحق المرأة، وتبديد طاقتها الثمينة في مسارات قد لا تتناغم مع طبيعتها السامية. من المهم جدًا أن نُعلي من شأن دور المرأة المتفرّد، وأن نُفسح لها المجال لتزدهر في البستان الذي نبتت فيه فطرتها الرقيقة وقدراتها النديّة، مع إيماننا بإمكانية مشاركتها الواعية والمنضبطة في رحاب الحياة العامة، بما قد ينسجم مع جوهرها ومسؤولياتها الأساسية.
إن محاولة طمس تلك الفروق الفطرية العذبة التي أودعها الخالق في كُلٍ من الرجل والمرأة، وإلزام المرأة بنسخ سلوك الرجل، لهو أمرٌ يُثقل كاهلها ويُجافي طبيعتها التي جُبلت عليها. إنها لمتاهة تجعلها تتأرجح بين الحفاظ على ينبوع أنوثتها وخصائصها الفريدة، وبين محاولة ارتداء عباءة سلوكيات قد لا تُناسب رقتها. وهذا من التحديات التي تواجهها أخواتنا المسلمات في خضم مجتمعاتنا المعاصرة.
بينما اقتضت حكمة الخالق العظيم أن يكون لكل من الرجل والمرأة بصمته الخاصة وخصائصه التي تُميّزه وتُجلّيه، وقد خلقهما ليُكمّلا بعضهما البعض في تناغم بديع، ليُسهما معًا في بناء صرح مجتمعنا على أسس متينة وسليمة. وليظل بيت المرأة هو مملكتها الأولى، وسِجلّها الذهبي في خدمة الأمة؛ فتربية الأبناء على ينابيع القيم والأخلاق الفاضلة، ورعاية الأسرة بحنان، وتوفير ملاذ آمن ومستقر لهم، لهو عمل جليل وأساس راسخ لصلاح المجتمع بأكمله. وهذا الدور لا يقل بهاءً وأهمية عن أي دور آخر في خدمة هذه الأمة؛ بل هو النبع الذي يروي جذور المستقبل ويُزهر على المدى الطويل.
وتشبيه نبينا الكريم ﷺ للمرأة بالقارورة الرقيقة، لهو لمسة حانية تُنبئنا بضرورة فهم طبيعتها الرقيقة وتقدير دورها المتفرّد. ومحاولة تجاهل هذه الرقة، أو التقليل من شأن دورها الأساسي في بناء الأسرة والمجتمع، ما هو إلا خروج عن هذا الهدي النبوي النيّر.
لذا؛ فإن دعوتنا لأخواتنا المسلمات أن لا يلتفتن لتلك الأصوات التي تُقلل من شأنهن أو تُحاول تغيير ينابيع فطرتهن، هي دعوة صادقة للتمسك بالهدي النبوي والفهم العميق لدورهن الريادي والقيادي في نهضة الأمة. فلكل منا بصمته وميدانه الذي يستطيع أن يُقدم فيه أزهى ما عنده، وميدان المرأة الأسمى هو بيتها وأسرتها، ثم ما تستطيعه بضوابط الشرع في رحاب الحياة العامة بما قد يُلائم رقتها وقدراتها الأنثوية.
وعليه، فلتحتفظ كل أخت مسلمة بفرادتها وقيمتها، ولتعلم أن لعملها في بيتها وفي أي مجال تُتقنه وتستطيعه ضمن حدود الشرع أثرًا عظيمًا في خدمة أمتها. وأنه حقًا لا حاجة لها بمفاهيم “المساواة بين الرجل والمرأة” التي تُنادي بها بعض التيارات، والتي قد لا تُراعي جمال الاختلاف والتكامل بين الجنسين.