سلسلة كوني أنثى: (٢) مقدمة قصة البرنامج

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبتوفيقهِ تُستنار الدروب وتُفتح البركات، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وقدوة للسالكين، وحجة على الناس أجمعين، محمدٍ الهادي البشير النذير، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم القويم إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا أخواتي في الله، ويا بناتي الكريمات، يا من تحملن في قلوبكنّ بذرة الخير وتسعينَ لترسيخ دعائم الأسر السعيدة، أُحييكنّ بتحية الإسلام العطرة، وأُرحب بكنّ ترحيبًا يليق بقلوبكنّ الطاهرة في هذه السلسلة المباركة التي نسأل الله لها القبول والتوفيق، سلسلتكنّ الطيّبة والتي أسميناها بصدقٍ وإخلاص: “كوني أنثى”.

وراء هذا العنوان قصةٌ واقعيةٌ، لمستُ خيوطها بيدي، وشعرتُ بصدى آلامها في قلبي. فقبل حينٍ من الزمان، تشرفتْ إحدى الأخوات الفاضلات بحديثٍ مع حضرة الشيخ الدكتور عبد الرحمن منصور، وأحسبها كانت من خير نساء أمتنا الداعيات إلى سبيل ربنا بالحكمة والموعظة الحسنة. إلا أنها، ورغم انشغالها بتبليغ رسالة الحق، باحت لنا بمكنون صدرها، وأخبرتنا عن تحدياتٍ جمة تواجه محيط الأسرة المسلمة، وصعوباتٍ تعترض طريق السعادة الزوجية، فشعرتُ معها بوطأة المسؤولية. فهي وإن كانت منيرة الدرب لغيرها؛ إلا أنها في هذا المضمار، تشعر بحاجة إلى مرشدٍ ناصحٍ معين؛ لكونها لم تتخصص في هذا الجانب الدقيق من جوانب الحياة، فسألتْ الشيخ عن رأيه، وعن سبيلٍ للخروج من هذه المعضلات.

وقد كان من بين ما ألهمها الله به، ومن جميل ما اقترحتْ به تلك الأخت الكريمة بعد طول حديثٍ وتقليبٍ للأفكار، هو أن يتم إنشاء حاضنات افتراضية دافئة، عبارة عن مجموعاتٍ مباركةٍ عبر برنامج التواصل “واتساب”، تكون ملاذًا آمنًا لأخواتنا، يُبَث فيها بذور الوعي بالحياة الأسرية، ويُجاب فيها عن استشاراتهنّ بصدقٍ وتفاني. وأن يُشارك الشيخ فيها شيئًا مما منّ الله به عليه من خبرةٍ متواضعةٍ في تيسير حل المشكلات الأسرية، وأن يُقدم لهنّ بعض الاقتراحات النابعة من واقع التجربة، وكلماتٍ صادقةٍ من النصح والتوجيه، تكون خاصةً بهنّ، نورًا يسري في دروب حياتهنّ.

وحقًا، لقد هال الشيخ ما انكشف له من خلال هذه النوافذ المباركة من حجم المعاناة، وشدة الخلافات التي تعصف ببعض البيوت. سواءٌ ما كان قد استمع إليه عبر رسائل صوتيةٍ مسجلةٍ كانت تُرسل إلى زوجته، فيُصغي إليها بتمعنٍ، ويُحاول تحليل أبعادها، ثم يُرسل لهنّ الردود الشافية والاستشارات المكتوبة التي تبلسم الجراح وتوضح السبيل. ولقد فوجئ بِالكم الهائل من الاستغاثات والاستفسارات التي تدفقت عليهم في فترةٍ وجيزةٍ جدًا! ففي أيامٍ معدوداتٍ، وبفضل الله وتوفيقه، أنشأوا ما يقارب ثلاث عشرة مجموعةً، تضم كل واحدةٍ منها ما يزيد على المائتين والخمسين أختًا كريمةً. هنا أيقن الشيخ مدى التعطش الشديد الذي يكتنف قلوب الكثير من نساء أمتنا لهذا الباب تحديدًا: باب الاستشارات الأسرية، والبحث عن السكينة في كنف الحياة الزوجية.

وقد توصل بفضل الله، من خلال هذه اللقاءات المباركة التي تشكلت، إلى حقيقةٍ مؤلمةٍ، وهي أن من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى تفكك الأسر، وتفاقم المشكلات والخلافات الزوجية، هو ذلك التصور الخاطئ الذي يدفع بعض النساء إلى التعامل مع أزواجهنّ بمنطق المنافسة والندية، وكأنهنّ رجالٌ مثلهم، تناسين بذلك ما فطرهنّ الله عليه من رقةٍ وأنوثةٍ وسحرٍ يلين القلوب ويأسر الأفئدة. ولهذا السبب تحديدًا، اختار لباقتنا التربويّة هذا الاسم المُعبّر: “كوني أنثى”، وهو نداءٌ صادقٌ موجهٌ خصيصًا للنسوة الفاضلات والبنات الكريمات.

وهي أيضًا رسالةٌ نوجهها بكل حبٍ وتقديرٍ إلى الآباء والأمهات: لا بد أن يغرسوا في نفوس بناتهم منذ نعومة أظفارهنّ كيف يتعاملن مع أزواجهنّ بتلك الأنوثة الساحرة والرقة المتناهية التي تملك القلوب، لا بتعاملٍ قاسٍ وصلبٍ يكسر الود ويُحدث الشرخ في العلاقة.

فالمرأة حين تستلهم فطرتها، وتتعامل برقتها وعطفها وحنانها الفيّاض ورومانسيتها العذبة وأسلوبها اللطيف الجميل الرقيق مع شريك حياتها، فإنها بذلك تمتلك مفاتيح قلبه، وتستطيع أن تسكن روحه وتتربع على عرش فؤاده.

لذا؛ تأتي هذه السلسلة المباركة لتُقدم لكنّ باقةً من النصائح الغالية، والتوجيهات السديدة، والتجارب النافعة، والاقتراحات القيمة، التي تهيئ كل امرأةٍ لتكون زوجةً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ ساميةٍ، وسنتناول فيه بتوفيق الله وعونه كيفية التعامل الأمثل مع الزوج، ومع الأبناء فلذات الأكباد، سواء في مجال التربية السليمة، أو في تقويم المفاهيم الخاطئة وتصحيح الأخطاء برفقٍ وحكمةٍ.

فهيا يا أخواتي الفاضلات، شاركننا هذه الرحلة المباركة، وها هو مركبنا يسير بكنّ في بحر الخير والبركة، فامددن أيديَكنّ إلينا، والحقن بركب الصالحات الساعيات إلى رضوان الله، لنرسوَ سويًا على شاطئ الأمان وبَر السلام، وننعم بدفء الأسر المستقرة. وباسم الله نبدأ هذا العمل، وعليه وحده نتوكل وبه نستعين.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة