ظاهر مبهر، باطن أجوف

في زمنٍ أصبح العمل فيه للناس لا لله، في زمنٍ باتت فيه الأعمال توثق قبل أن ترفع، هؤلاء الذين يحسنون الأداء أمام الخلقِ وينسون الإخلاص للخالق، لهم ظاهر مبهر وباطن أجوف. أصبح حب الظهور مرضٌ يأكل القلب، ويفسد العبادة، تعلقت القلوب بنظرة الناس فنسيت أن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم!

الرياء عدو خفيٌ في القلب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر”. قالوا: يا رسول الله، وما الشرك الأصغر؟ قال: “الرياء”.

الرياء شركٌ خفي يتسلل إلى القلوب؛ فيفسدها، وآفة من الآفات يجب الحذر منها وتطهير القلب منها. فالرياء هو أن يعمل الإنسان عبادة أو عملاً صالحاً ليُرى به من الناس ويُمدح عليه، لا ليطلب به رضا الله وحده. بمعنى آخر، هو تحويل النية من الإخلاص لله إلى طلب الشهرة والثناء بين الناس.

فالرياء يسكن القلب ببطئ حتى يختلط مع النية الصافية فيعكرها. وقال ابن مبارك رحمه الله: (رب عملٍ صغيرٍ تعظمه النية، ورب عملٍ عظيمٍ تصغره النية).

الرياء لا يولد فجأة، الرياء يتسلل إلى القلب من أبوابٍ كثيرة، أولها ضعف الإيمان. فكلما خف التعلق بالله؛ زاد التعلق بثناء الناس ومدحهم ونظراتهم. ومن الأسباب أيضاً حب المديح والشهرة، فالنفس بطبيعتها تحب نظرات الإعجاب وتحب أن تمدح، فإذا لم تجاهدها؛ انجرفت إلى طلب الثناء من الخلق لا من الخالق. والجهل بالرياء من أسباب الرياء، فلو علم العبد خطورة الرياء على قلبه وعمله؛ لما رضي أن يشوب إخلاصه لحظة من الرياء.

وقد نبه ابن القيم رحمه الله أن الرياء من المهلكات الخفية فقال: (الرياء يفسد العمل، وهو أخوف على الأعمال من الكبائر)؛ لأن صاحبه لا يراجع نفسه، فهو يعبد نظرة الله لا وجه الله.

للرياء آثارٌ على نفسك وعملك وقلبك

الرياء لا يُفسد العمل فحسب؛ بل يفسد القلب أولًا، فيُميت فيه لذة الإخلاص. أما العمل، فإن الرياء يُبطله ويحرم صاحبه أجره، كما قال تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورًا} [الفرقان: 23]. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً، وابتُغي به وجهه”.

فالرياء يزرع في النفس النفاق، ويُشوه نية الطاعة، فبدل أن ترتقي النفس بالقرب من الله، تهوي بعيداً بتعلّقها بمدح الناس وثنائهم.

وسائل العلاج 

يبدأ من نفسك، تفحصها وراقبها وفتش عن الأمراض التي أصابتها واعترف بها لتبدأ بمداواة قلبك السقيم.

وأول دواء تعظيم الله في قلبك، فإذا عظم في قلبك؛ صغر نظر الناس في عينك. يصبح كل همك هل يرضيه هل يعجبه يصبح كل عملك لله.

أما الدواء الثاني، فهو الإكثار من الأعمال الخفية التي بينك وبين الله، تأمل قليلاً أعمالك، هل لديك سرٌ بينك وبين ربك؟ هل لديك خبيئة صالحة أم كل أعمالك للناس؟

قال بعض السلف: (أخفي حسناتك كما تخفي سيئاتك). ومن ذاق لذة العمل الخفي لم يعد يطلب أعين الناس أبدا، فمن ذاق عرف.

الدواء الثالث تجديد النية باستمرار، وهذه من أقوى سبل الوقاية ذكر نفسك دائماً: لمن أعمل؟ ولماذا أعمل؟ تنجو بإذن الله. كما أن الدعاء بالإخلاص سلاح المؤمن، فكلنا نعاني من فساد النية فسألوه سبحانه أن يكون الصدق لكم كما الأنفاس.

أخيراً أوصي نفسي وإياكم بأنْ: لا بد لنا من كثرة ذكر الآخرة، فمن تذكّر الموت والقبر والوقوف بين يدي الله؛ لم يُبالِ إن مدحه الناس أم نسوه، فالأجر الحقيقي هناك لا هنا.

ابذل لله وذكر نفسك دائماً لماذا أنت على هذا الثغر وعلى هذا العمل، اغرس وقَوِّم خطاك وجدد نيتك واعمل لله وعش لذلك ومت على ذلك، لا تغرنك النظرات والإعجابات فكلها زائلٌ إلا ما كان لله. 

ولنحرص على العمل في الخفاء، فالنجاح الحقيقي يكمن هناك حيث ترقى في أعلى الدرجات وتنال جزيل الثواب. ولتعلم رحمك الله أن ما كان لله ثبت، وما كان للناس ذهب وتبدد.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة