بين الأمومة وعولمة النسوية

ظهرت في العصر الحديث تيارات تحمل لواء “النسوية”، فاكتسحت الساحة العالمية وبقوة، وتعالت بعض الأصوات الداعمة لها، زاعمة أنها تسعى لإنصاف المرأة ورفع مكانتها في المجتمع بحيث تؤمّن لها مستقبلًا خاصًا بها وبكينونتها، ويضمن لها استقلاليتها وحريتها! لكن المتأمل الحق بعينٍ فاحصة لهذه الدعوة التي استحوذت على معظم عقول نساء أمتنا، يجد أنها تنطوي على مفاهيم غربية مغلوطة تحتاج إلى وقفة تأمّل وتدبر، قبل أن تؤدي إلى نتائج لا تُحمد عقباها على أمتنا المكلومة.

مع التهشيم الواضح لمفهوم الأنثى الرقيقة والأمومة الحانية، فأين موقع “الأمومة” في هذا الخطاب النسوي المتصاعد؟ وما هي الأمومة في نظر هؤلاء الدُعاة؟ إن المتأمل في جوهر الأمومة يجد أنها ليست مجرد وظيفة بيولوجية؛ بل هي رسالة سامية ومهمة عظيمة. فالأم هي الحاضنة الأولى للطفل، وهي التي تغرس فيه القيم والمبادئ، وتشكّل شخصيته في المراحل الأولى من حياته، فإن أثر الأم الصالحة والمربية لهو أعمق وأبعد مدى في بناء المجتمع.

قد يرى البعض في الانشغال بالأمومة عائقًا أمام تقدم المرأة وتحقيق طموحاتها الشخصية والمهنية، وقد يُصوّر هذا الدور النبيل أحيانًا على أنه قيد يكبّل المرأة ويحصر دورها في نطاق ضيق. ولكن؛ أليس في هذا التصوير إجحاف بحق هذه المهمة العظيمة؟ وأين نحن من نساء السلف الصالح اللاتي جمعن بين العلم والعمل الصالح وتربية الأبناء البررة؟

إن توفير الدعم والرعاية للأمهات، وتقدير جهودهن في تنشئة جيل المستقبل، لهو جزء أصيل من تحقيق الإنصاف والتقدير للأمومة، فهي ليست تهميشًا لدور المرأة؛ بل هي تتويجٌ لعطائها وقدرتها على صناعة المستقبل. فالأم هي صانعة الرجال، وبصلاحها يصلح المجتمع، وبتمكينها تزدهر الأمة.

ثُم إن الأصل في تكريم المرأة وحفظ حقوقها أمر لا يجادل فيه عاقل، وقد جاءت بذلك الشريعة الإسلامية، وأنصفت المرأة أيما إنصاف، فأتت هذه التيارات الغربية تدعو إلى تحرير المرأة المسلمة مطالبة بحقها في منافسة الرجل في ميادين العمل، وحثها على المطالبة كذلك بالمساواة المطلقة بينها وبين الرجل! محاولة بذلك تغيير الفطرة السوية التي فطر الله عليها المرأة، وإحداث شرخ في الأدوار التكاملية التي تقوم عليها الأسرة والمجتمع، مغيبة الوعي عن الفروق الفطرية بين الجنسين، والتي تستدعي توزيعًا للأدوار بما قد يتناسب مع قدرات كل واحد منهما ومسؤولياتهما. 

كما أن المتأمل بهذه الدعوات الغربية يجد أنها قد قامت بالتقليل من شأن الدور العظيم الذي تقوم به المرأة كأم ومربية وصانعة للأجيال؛ مما جعلها تنظر إليه بدونية على أنه عائق أمام “تحررها وتقدمها”! وهذا التجاهل لقيمة أمومتها يتعارض مع ما رأيناه في تاريخنا الإسلامي الأصيل من تقدير عظيم لهذا الدور الأساسي والمحوري في بناء المجتمع المسلم.

فلطالما كان هدف هذا التيار هو التركيز المبالغ فيه على الذات الفردية للمرأة، وإغفالها عن دورها في بناء الأسرة والمجتمع كوحدة متكاملة، وتغييب وعيها على أنها هي وحدها تمثل نصف المجتمع؛ مما أدى إلى تفكك كبير في الروابط الأسرية وإضعاف بنيان الأمة، فكما أن للرجل مسؤولياته، فإن للمرأة أدوارها المحورية التي لا يغني عنها فيها أحد.

يقول اليهود -عليهم لعائن ﷲ تترى-: (علينا أن نكسب المرأة، ففي أي يومٍ مدت إلينا يدها ربحنا القضية)، ويقول أحد قادة الماسونية: (كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع، فأغرقوها في حُب المادة والشهوات)! كما لو أنهم يقولون: (عليكم بالمرأة المسلمة، فبسقوطها تسقط الأمة الإسلامية)!

لذا؛ زخرفوا لها دعوات نسوية هدّامة تشوّه فطرتها السوية، قاموا بغسل دماغها حتى مسخوها بصفات ذكورية فلا نكاد نعرفها! فصارت تحب الخروج والعمل وتدعوا للمساواة وتزاحم الرجال في كل ميدانٍ وفن، وتكره فكرة قرارها في بيتها وترى في ذلك سجنًا لها، وإن أسدينا لها نصحًا تعنّتت وتجبّرت وتكبّرت؛ ذريعة أن في ذلك ظلم وإجحاف لها! فيا أسفي ويا وجعي عليها!

علينا إنقاذ المرأة المسلمة من هذا المستنقع القذر، ومساعدتها بلطفٍ لإعادة تأهليها من جديد لتقوم بالوظيفة الأساسية التي خُلقتْ من أجلها. ثم من واجبنا التحذير من الانسياق وراء دعوةٍ براقة مثل هذه، يظهر لنا في ظاهرها الرحمة كما يدّعون، وفي باطنها تحمل سُمًا خبيثًا، وبين طياتها ما ينافي قيمنا وثوابتنا الإسلاميّة.

ولنقف لمثل هكذا دعوات هدّامة بالمرصاد، وننشر الوعي ما استطعنا لذلك سبيلًا، لتعلم المرأة المسلمة أن تكريمها الحقيقي يكمن في حفظ حقوقها كاملة مع تقدير دورها الفريد والمهم في الأسرة والمجتمع، ولنحرص أشد الحرص على أن يكون سعينا لإنصافها متوافقًا مع فطرتها السليمة وقيمنا الأصيلة، بما قد يحقق لها السكينة، ويعمل على تحبيبها بدورها الأصيل وأنوثتها الراقية.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة