يومُ الجمعة، ليس مُجرد يومٍ عابرٍ كسائر أيام الأسبوع، بل هو نفحةٌ إلهية من الرحمن تتهادى على الأرض، وسكينةٌ تنزل على القلوب المتعبة. وهو العيد الأسبوعي للمسلمين، لقوله ﷺ: «إن هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين، فمن جاء الجمعة فليغتسل».
وفي فجرِه، تُشرق شمس الأمل بألوانٍ بهيَّة، وتتسلل نسمات الصباح تحملُ معها عبير الطمأنينة والسكينة. وقد وصفهُ ﷺ بأنّه: «خير يوم طلعتْ فيه الشمس: يوم الجمعة»، يومٌ يتجلى فيهِ الأُنس، وتتصافح فيهِ الأرواح، وتُفتح أبواب السماء لترفع الدعوات الصادقة. فتتزيَّن المساجد بقدومهِ وتُضيء مآذنها، لتُنادي الأرواح إلى رحابِ الطُّهر والخشوع. هُنا، نخشعُ لتراتيل القرآن التي تتلوها الألسنةُ الشجية، ويكأنها همساتٌ من الجَنّة تُلامس شغاف الفؤاد.
وفي هذا اليوم المبارك، تتجددُ العهود مع الخالق سُبحانه، وتُغسل الذنوب بماءِ التوبةِ الصادقة. تجتمعُ القلوب على ذكرِ الله، فتتشابكُ الأيدي في الصلاة، وتتوحّدُ الصفوف في محرابِ العبادة. فتُنسى شواغل الدنيا وضغوطاتها؛ لتتفرغ الروح لراحتها، وتلتئم الجراح في كنف الطمأنينة والسكينة.
وفيه ساعة استجابة، لقولهِ ﷺ: «إنَّ في الجُمعةِ لساعةً، لا يوافِقُها مُسلِمٌ، يَسألُ اللَّه فيها خَيرًا، إلَّا أعطاهُ إيَّاهُ». كما نُكثر به من الصلاة على الحبيب ﷺ، امتثالًا لقوله تعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
ومن السُّنن المُستحبة في هذا اليوم المُبارك: الاغتسال، ولبس الجميل من الثياب، التطيب والسواك، التبكير إلى المسجد وقراءة الكهف، كثرة الصلاة على النبي ﷺ، وتحرّي ساعة الاستجابة، صلة الرحم… وغيرها من الأعمال الصالحة والعبادات الزكية الطيبة التي يُحبها الله ورسوله ﷺ.
كما أنّ لهذا اليوم مكانة خاصة في قلوب المسلمين، وقد بيّنها ابن القيم -رحمه الله- بقوله: (إن الطاعات الواقعة من المسلمين يوم الجمعة وليلة الجمعة أكثر منها في سائر الأيام، حتى إن أكثر أهل الفجور يحترمون يوم الجمعة وليلته، ويرون أن من تجرأ فيه على معاصي الله عز وجل عجل الله عقوبته ولم يمهله، وهذا أمر قد استقر عندهم وعلموه بالتجارب، وذلك لعظم اليوم وشرفه عند الله، واختيار الله سبحانه له من بين سائر الأيام). وقال أحد السلف: “من استقامت له جمعته، استقام له سائر أسبوعه”.
ويوم الجمعة، هو يومٌ لصلة الأرحام، وزيارة الأحباب، وتبادل الابتسامات الدافئة التي تُذيب وحشة الأيام. فهو فسحةٌ للروحِ قبل الجسد، وتذكيرٌ دائمٌ بأنَّ للقلبِ ملجأ يجدُ فيهِ السكون والراحة بعد صخب بقية أيام الأسبوع. فما أجملَ أن نستقبل هذا اليوم بقلبٍ مُطمئنٍّ وروحٍ مُشرقة!