تتعالى الأصوات في الساحة، وتُرفع شعارات القومية والوطنية عالياً، والعاطفة الجيّاشة تجرف الجميع، باسم الوطن، باسم “النّيف” والحمية، باسم العَلَم؛
تُشحذ الهمم، وتُقام حملات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي؛ لدعم الملاكمة الجزائرية “إيمان” ومساندتها في محنتها على حدّ القول، بعدما اتهمتها أوروبا بأنها ليست أنثى بل متحولة جنسياً.
والحقيقة أن أوروبا لا تفرق بين الذكور والإناث؛ بل تنفق الغالي والنفيس من أجل المساواة والمثلية. فهل استيقظ ضميرها فجأة لتجادل في جنس “إيمان” وهي التي وُلدت أنثى وعاشت كذلك؟
وإن سلّمنا بأنه تلبّس عليها الأمر لِما رأته من استرجالها؛ فهل يختلف مظهرها عن باقي مسترجلات العالم المنافسات لها؟ فلِما لم تُثر زوبعة إعلامية حولهن، وتم تسليط الضوء على “إيمان” المسلمة الجزائرية؟
والخطة واضحة جداً؛ مزيد من سلخ المجتمع الجزائري من هويته الإسلامية! لقد درسونا جيداً، وعلموا أن العواطف فينا سيل جارف، وباسم النيف والحمية للوطن ورموزه، وخاصة إذا كانت الضربة من خارجه، فسنفعل لأجل ذلك كل شيء، ولو على حساب قِيم المجتمع. وها هي الخطة قد آتت أكلها، وقد نالوا منّا بجدارة.
“إيمان” جمعت أطياف الشعب حولها، وصارت رمزاً وطنياً، وقدوة للجميع، وفخراً للنساء.
نحن لا ننكر أن “إيمان” عاشت حياة صعبة جداً من الفقر والحرمان، ولعل هذا كان دافعاً لتبحث عن شيء للتغيير؛ ولكنها سلكت الطريق الخطأ من البداية. فالمرأة المسلمة خلقت لتكون أنثى، ولا ينبغي لها الاسترجال؛ بل يحرم عليها ذلك. وهذا ليس حكماً وقانوناً وضعياً؛ ولكن الذي شرع ذلك هو رب العالمين، ولا ينبغي تجاوز هذا باسم الوطنية والعواطف الجارفة.
وإني لأعجب من تصوير الإعلام لحالة من الفخر حتى ذرف الدموع، من مجرد ارتفاع صوت النشيد الوطني في فرنسا؛ وكأنه فتح عظيم أو معركة أخرى تضاف لمعارك الثورة الجزائرية، بينما لا زالت رؤوس شهدائنا قابعة في متاحف فرنسا لم تحظى بشرف الدفن.
سننال من فرنسا اللعينة وخلفها أوروبا؛ حين نرد كيدهم في نحورهم، ولا نتعصب إلا للإسلام ومبادئه؛ فلا ننسلخ من هويتنا باسم الوطنية.
نحن ضد فرنسا وأوروبا حين تسيء لنسائنا المسلمات، ونقف ضد ذلك على قلب واحد، باسم هويتنا المسلمة التي تغنّى بها زعيم الإصلاح في الجزائر؛ عبدالحميد بن باديس رحمه الله:
شعب الجزائر مسلــــــــم
وإلى العروبة ينتســــــــــب
من قال حاد عن أصله
أو قال مات فقد كذب
أو رام إدماجا لـــــــــــــــــــــــــــــــــــه
رام المحال من الطلب
أما غير هذا، فلم يكن يوماً الانسلاخ عن الأنوثة يصنع قدوات لنسائنا.
وليس الحديث عن “إيمان” وحدها؛ بل الكثير ممن تم تبجيلهم وإبرازهم كقدوات كبيرة باسم الوطن والوطنيّة، ولو كان ذلك على حساب المبادئ والقيم.