يحدث كثيرًا أن يأتينا طفلٌ باكيًا، يشتكي من طفل آخر، وغالبًا لا يأخذ الكبير شكوى الطفل على محمل الجد، فتجد كل همه أن يسكت ذلك الصغير المزعج حتى يستطيع التنعم ببعض الهدوء والراحة، أو إتمام عمل ما.
لذلك يصب تفكيره على إسكات الصغير بدلًا من التفكير في حل المشكلة التي جاء الصغير يحملها! فهو إما يعد الطفل بـ(حاجة حلوة) إن هو سكت! أو يهدده بالعقاب إن لم يسكت ويكف عن الإزعاج! أو يعاقب الطفل الآخر بدون تبين إن كان هو المخطئ أم لا!
وكل تلك حلول سيئة؛ فإما أن ترسخ عند الطفل مفهوم الغوغائية وأنه لا يمكن أخذ الحق إلا عن طريق البطش والعنف، وإما ترسخ لديه مفهوم الخنوع وأنه عليه ألا يخالف الأقوى مهما حدث، فضلًا عن التشوهات النفسية والعُقد والأزمات التي قد تخلفها تلك الطرق الهدامة مع مرور الوقت!
والصواب أن نأخذ الشكوى على محمل الجد؛ فنحضر الطفل الآخر ونسمع من الطرفين ثم نحدد من المخطئ والذي قد يكون هو الطفل الباكي الشاكي ذاته، ومن المظلوم، ولعلنا نكتشف حينها أن الخطأ لم يكن من كليهما وإنما بسبب آخر.
ثم بعد السماع، من المهم ألا نحمّل المواقف أكثر مما تحتمل؛ فمن الممكن أن يمر الموقف بمجرد اعتذارٍ وتصافحٍ وتسامحٍ مع شرح قيمة التسامح في ديننا وثوابه، وقد يحتمل عقابًا بسيطًا لأحد الطرفين، أو شديدًا بعض الشيء، وقد يحتمل عقاب كلا الطرفين.
هذه معالجةٌ حقيقيةٌ وتربويةٌ لمثل تلك المواقف، تعزز لدى الطفل مفاهيم العدل والمسؤولية والتحكيم والإنصاف والحق والتسامح والكثير من المفاهيم المهمة لبناء إنسانٍ سوي، تشعره بقيمة الثواب والعقاب، وأننا لا نعيش في غابة يأكل القوي فيها الضعيف، وإنما نحن بشر كرمنا الله عز وجل بالعقل ونستطيع إدارة الأزمات بعقل وحكمة وإنصاف.