لا يتوقّف الملحدون العرب عن إظهار تناقضهم وسوء عقلهم ومنطقهم، تناقض ومغالطات في كل مكان، وازدواجيات في التعامل والحكم تفضح بواطنهم وأفكارهم الخبيثة؛ فهم متسترون بـ”التفكُّر والحداثة” يغمّون “الإلحاد والزندقة”.
وأكثر ما يشيع بينهم هو إنكارهم لوجود الجن -والمقال ليس بصدد إثبات وجود الجن والرد على الملاحدة؛ وإنما تبيينًا لتناقضاتهم وازدواجياتهم-. يتغنى الواحد فيهم بجملة “أنا لا أؤمن بوجود الجن”، فهو المتحذلق المفكّر صاحب القفزة النوعية في الحكم على الأشياء، ذا البصيرة النفاذة والعقل الفولاذي؛ لا يؤمن بما لا يره؛ لكن لا تقلق، سيخدّرك كثيرًا بقوله “أنا مسلم مثلكم؛ لكني أريد منكم أن تُعمِلوا عقلكم”.
وهو حقيقةً هنا يحاول البعد عن قضيته الأساسية ويذهب للجن، هو لا يريد الجن بذاتهم؛ لكنه يريد الله أساسًا، هو يريد “الغيب”، فلا يؤمن بالجن لأنه لا يراه. هل يرى الله هو؟ لا، فالقضية إذًا كلها في إيمانه بالغيب بعامته.
ما يقوم عليه إيماننا هو التصديق بخبر السماء
ولا يشك مسلم موحّد لا يجهل دينه أنّ الغيب أساس يقوم عليه الدين؛ بل هو عمدته إن صحّ قولي، فجلّ ما آمنا به وتبعنا عليه رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم هو تصديقنا له بخبر السماء. فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه قالها يوم أتاه المشركون صبيحة الإسراء والمعراج، حيث روت عائشة رضي الله عنها أنه “لما أُسرِيَ بالنبيِّ إلى المسجدِ الأقْصى، أصبح يتحدَّثُ الناسُ بذلك، فارتدَّ ناسٌ ممن كانوا آمنوا به، و صدَّقوه، و سَعَوْا بذلك إلى أبي بكرٍ، فقالوا : هل لك إلى صاحبِك يزعم أنه أُسرِيَ به الليلةَ إلى بيتِ المقدسِ ؟ قال : أو قال ذلك ؟ قالوا : نعم، قال : لئن كان قال ذلك لقد صدَقَ، قالوا : أو تُصَدِّقُه أنه ذهب الليلةَ إلى بيتِ المقدسِ و جاء قبل أن يُصبِحَ ؟ قال : نعم إني لَأُصَدِّقُه فيما هو أبعدُ من ذلك، أُصَدِّقُه بخبرِ السماءِ في غُدُوِّه أو رَوْحِه ، فلذلك سُمِّي أبو بكٍر الصِّديقَ” [رواه الحاكم في المستدرك].
فما يقوم عليه إيماننا هو الإيمان بالغيب وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيه، ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ [البقرة: 3]. روى الحاكم عن عبد الرحمن بن يزيد قال: (ذكروا عند عبد الله أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وإيمانهم، قال: فقال عبد الله إن أمر محمد كان بينا لمن رآه، والذي لا إله غيره ما آمن مؤمن أفضل من إيمان بغيب ثم قرأ: ألم* ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين. إلى قوله تعالى: الذين يؤمنون بالغيب) [صححه الحاكم ووافقه الذهبي].
فما ننتهي له أن الملحد العربيّ كافر بالغيب، وهو في ذات الوقت مهاجم لمن يؤمن به، مسفّه لأصحاب التصديق بلا إعمال عقل، مستهزء بمن يخبره أن الجن حق وأنّ هناك عالم غيبي يخفى على الإنسان ويفوق قدرته الاستيعابية.
ماذا عن تعامل الملحد العربي مع الأديان الأخرى؟
وفي المقابل، لا تجده يرمي بشرره على أصحاب عقيدة الطاقة واليوغا وغيرهم، لا يتساءل كيف يمكن أن أؤمن بالشاكرات “مستقبلات الطاقة في الجسد” والتي لا يراها أيضًا، وكيف يمكن أن أؤمن بالبرانا والنيرفانا وغيرها مما ينتشر في عقائد الهندوس أو غيرهم، لا يستعجب من أن الجسد به مستقبلات طاقة تنفتح ويصير الإنسان إلهًا مصغرًا لمّا يستقبل الطاقة وتحل به روح الإله! لا يستعجب من الثالوث ولا غيره! لا، تلك عقائد تحترم ولا يمكن أن نصنّف أصحابها ونعاملهم بإقصاء، هم جزء من المجتمع وعقائدهم لهم؛ أما المسلمون، الويل لنا لو تركناهم بعقيدتهم وإيمانهم!
هو لا يريد عامة الأديان، ولا يريد عامة العقائد، هو فقط يُعنى بالإسلام، غاية الملحد العربيّ، صاحب البطولات والعقل الفذّ والأفكار اللامعة التي ينبغي أن تُنشَر ويُحتفى بها، يريد أن يُهدَم الإسلام، أن يشكّ المسلمون في عقيدتهم، أن يُحارَب الإسلام المنظّم لهوى النفس وشهواتها والمرتب لشؤون الخلق وعلاقاتهم بالله وبأنفسهم.
ولا أشكّ أنّ هذا منبعه هو الحقد ليس إلّا، ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ۖ﴾ [النساء: 89]. هو يريد كفر الجميع مثله، وهو على يقين بأنه ليس على صواب؛ ولكنه لا يمل من مخادعة نفسه بأنه مصدق لما يقول، وإلا لو صدّق فعلًا أن لا غيب ولا “عالم ما ورائي -كما يقول-” فلن يكون هناك داعٍ ليهاجم الإسلام؛ لكن حرصه واستماتته في تشويه الإسلام في نفوس المسلمين تظهر لك خبايا نفسه ومخادعته لذاته ليس إلّا، متّبعًا لهوى نفسه جاحدًا لله مستكبرًا مستغنيًا.
فبالله عليكم؛ أما بان تناقضهم؟