كم كان في الليل من آهات وأحزان، بكاء القلوب وخشوعها، انكسار الأنفس وذلتها؟ كم فيها من مهموم، مديون أو مكروب؟
ولكن المسلم القوي يتحلى بالايمان القوي في أصول دينه وعقيدته ما يهون عليه وطأة حزنه، فيؤمن
بأن الله خلق كل شيء وقدره بحكمة ورحمة. وبأن الله عظيم جليل رحيم، والشر ليس إليه. وأنه ما ظلمنا ولكن ظلمنا أنفسنا. وأنه قدر بعد العسر يسرين، وعداً كما ينبلج الفجر من الليل، وعداً عليه حقاً، وعداً ومن أصدق منه قيلاً؟
يسر؟ نعم يا نبيه الفكر. وصور الفرج واسعة لا تنظر من منظار ضيق، لا تنظر من منظار الغرب المادي الرأسمالي الفرداني. جُل ببصرك وتفكر و حلق، كم من محنة نجزت منها؟ ثم اقرأ قوله تعالى: {إنه كان بي حفيًا}، وقوله: {ولم أكن بدعائك رب شقيًّا}.
لا تيأس يا مسلماً لربك أمرك! ها أنا ذا أبث لك همسي وأعرف أنينك: ما من مشكلة مرت عليه إلا ومرت على من قبلك، الإنسان هو الإنسان باحتياجاته ومخاوفه. لست وحدك! وإن لم يكن حولك أحد حقيقي تبث له كربك. فكما قال الشاعر:
ما ضر نفسك أن تسير وحيداً
ما دمت تبحر في الحياة مريداً؟
أدري، تريد أنيس قلب صادق ليذيب من خوف الفؤاد جليداً! أدري؛ ولكن أين ذاك ترومُه؟ عز المنة! وتلفت فيه مريداً؛ فإذا وهبت بمثله فاظفر به؛ فلقد رزقت من الهبات مجيداً. أو لا؛ فضمد جرح قلبك وانطلق!
واعلم يقيناً أن كل ما حولك معك في العبادة في الرسالة الإسلامية العلية التي خلقت لها؛ فإنها تسبح الله ربها خالقها. أنت تسير في درب سارت عليه الأمم من قبلك، فرد في مركب الإسلام والتوحيد. فاثبت فغداً يوم مهيب مخيف لا ينجو إلا الموحد إلا المسلم والعقبى للصابرين.
وليكن أنيسك القرآن والسنة، اقرأ بكل مشاعرك وعقلك وتدبر وجل بفكرك، اقرأ مثلاً سورة الدخان أو سبأ، فقد أخبرتني من أثق بها أنه اشتد بها الكرب ليلة فقرأتهم؛ ففتحت عليها معاني يا الله ما أعظمها! اختر أي سورة، ستجد قلبك، ستجد دواءك، ستجد نفسك.