هل تساءلنا يومًا كيف تسللت الأفكار الغربية إلى بيوتنا، وغيرت مفاهيم رُبينا عليها بكل حب وفخر؟ في زمن تلاشت فيه الحدود بفعل العولمة، لم تعد الظواهر الاجتماعية حبيسة مجتمعاتها الأصلية. فما كان يُعد تصرفًا فرديًّا أو استثناءً نادرًا، أصبح اليوم يتسرّب إلينا بفعل التقليد الأعمى والانسياق وراء العولمة. ومن بين هذه الظواهر التي بدأت تتسلل إلى مجتمعاتنا الإسلامية: احتفالات الطلاق!
هذه الظاهرة التي تتعدى مجرد التعبير الشخصي عن التحرر المزعوم، تحمل في طياتها أبعادًا أعمق وأضرارًا أخطر على مُجتمعنا الإسلامي وقيمنا الأصيلة، وتهدد أمان بيوتنا المسلمة التي شُيدت على المودة والرحمة.
إن فكرة الاحتفال بالطلاق، سواء بتنظيم حفلات صاخبة أو جلسات تصوير مبهرجة، تُظهر “المرأة المتحررة” من قيود الزواج، ليست مجرد طيش عابر أو تعبيرًا عن فرحة زائفة بالخلاص من علاقة فاشلة، بل هي جزء لا يتجزأ من تيار فكري أوسع وأخطر، ألا وهو: النسوية المتطرفة، والتي تسعى جاهدة لهدم منظومة الأسرة المُسلمة، وتقديم الزواج كـ”قيد” يجب التخلص منه، والطلاق كـ”انتصار” يجب الاحتفال به! ويا لقلوبنا! كم تتألم من هذا التشويه لميثاق ﷲ الغليظ.
وقد ينتج عن استمرارية تطوّر هذا المسار أضرار جسيمة تشوّه عقول فتياتنا الناشئات، ومنها:
- تقويض قدسية الزواج في قلوب بناتنا: يُكرّم الإسلام الزواج كعقد رباني مقدس، وميثاق غليظ بين الزوجين؛ فهو أساس بناء الأسرة الصالحة وعش الدفء والسكن. لكن عندما يصبح الطلاق مناسبة للاحتفال، فإن ذلك يفرّغ الزواج من قدسيته وهيبته، ويجعله يبدو كتجربة عابرة يمكن الاستغناء عنها والتهلُّل بها! فكيف لقلب الأم بعد هذا أن يطمئن على مصير بناتها وهنّ يشاهدن هذا الميثاق المقدس يُهان علنًا؟ إنّ هذا التصوّر يتنافى تمامًا مع نظرة الإسلام للزواج كرباط أبدي نسعى للحفاظ عليه وصونه بكل ما نملك.
- تشويه صورة الطلاق وجرح القلوب: الطلاق في الإسلام هو أبغض الحلال، ملاذ أخير لحل المشكلات المستعصية بين الزوجين، والاحتفال به يقلب المعايير، ويصوّره كغاية مرغوبة، بدلًا من كونه نهاية مؤلمة لعلاقة كان يُرجى لها الدوام. كم من الدموع ذُرفت، وكم من قلوب كُسرت خفيةً بسبب مرارة الطلاق! فهل من الحكمة أن نحتفل به؟ إنّ في ذلك تحريفًا لمعناه، وتأثيرًا سلبيًّا على تعامل فتياتنا مع احتمالية حدوث الطلاق مُستقبلًا، مما قد يُضعف رغبة الأزواج في الإصلاح ويُسرّع قرارات الانفصال.
- إفساد عقول الناشئة: حين ترى فتياتنا الصغيرات مثل هذه الاحتفالات، تتشكل لديهن مفاهيم مغلوطة عن الزواج والأسرة، فيعتقدن أن الزواج عبء ثقيل يمكن التخلص منه بسهولة، وأن الطلاق هو السبيل إلى “الحرية” و”الاستقلال” الزائف. وقلوبهن الغضة، وعقولهن البريئة، تتشرّب معظم ما تراه وتسمعه، مما يزرع في نفوسهن بذور التمرد على المسؤوليات الزوجية، ويُبعدهن عن قيم الصبر والتضحية التي تقوم عليها الحياة الأسرية المُستقرة. فهل نرضى لهنّ بمثل ذلك؟
- تفكيك البيت المسلم: تسعى بعض الأجندات النسوية المتطرفة إلى زعزعة استقرار البيت المسلم، والذي يُعد الحصن المنيع لأمتنا. فالمرأة هي ركن البيت، وسكن الزوج، والحاضنة للذرية. وعندما تُشجع المرأة على اعتبار الطلاق “تمكينًا” يستحق الاحتفال به، فإنها تُدفع للتسرّع في إنهاء العلاقة الزوجية، مما يُهدد استقرار الأسرة، بل يُقوّضها من أساسها.
- التعارض مع قيم الحياء والعفة: مجتمعاتنا العربية والإسلامية تُعلي من شأن الحياء والعفة والستر، والاحتفال بالطلاق، بما فيه من إعلان ومجاهرة على الملأ، يُناقض هذه القيم الأصيلة التي تُكرّم المرأة وتُعلي مكانتها. فالفصل بين الزوجين موقف يستدعي السكينة والخصوصية، لا مناسبة عامة تُكشَف فيها أسرار البيوت وتُجرَح فيها مشاعر الحياء.
هذه الظاهرة، وإن بدت فردية في ظاهرها، ما هي إلا خيط ضمن نسيج أكبر تُحرّكه قوًى خارجية تسعى للنيل من كرامة المرأة المسلمة، وتحويلها إلى أداة لهدم منظومتها الأسرية. والمرأة المسلمة الحُرّة، هي من تتمسك بدينها، وتُعلي من شأن أسرتها، وتُدرك أن حريتها الحقيقية تكمن في طاعة ربها، لا في الانسياق وراء شعارات زائفة تُفضي بأسرتها إلى التشتت والضياع.
فيا صانعات الأجيال، ويا حاميات البيوت، إن مسؤوليتنا اليوم مضاعفة، وعلينا أن نكون واعين لمثل هذه الموجات الفكرية، وأن نُحصّن أنفسنا وأسرنا من آثارها الهدّامة. لنعزز الوعي بأهمية الأسرة، ونغرس في بناتنا قيم ديننا الحنيف، وأن القوة الحقيقية تكمن في الإيمان، والصبر، والتضحية، وبناء حياة أسرية مستقرة تنعم بالسكينة والمودة، لا في الانسياق وراء مظاهر زائفة تسعى لهدم هويتنا ومسخ بيوتنا المسلمة.